رنَ الهاتفُ أثناءَ نومي ، أستيقظتُ لأجدَ رقمَ مركزِ الطوارئِ يتصلُ بي ، أجبتُ عليهم و أخبروني بضرورةِ حضوري الى مكانٍ حدثت بهِ جريمةُ قتل ، أرتديتُ ملابسي ومعطفي وذهبتُ إليهم .

عندَ وصولي وجدتُ المكانَ مُكتظٌ أمامَ المنزل فطلبتُ من رجالِ الشرطةِ أبعادَ السكانِ عن مكانِ الواقِعه أكبرَ قدرٍ ممكن ، وتوجهتُ الى الداخلِ لأرى ماذا يجري ، وعندما دخلتُ وجدتُ جثةَ رجُلِ يبدو أنهُ قد أنتحر فقد كانت شرايينهُ مقطوعةً وكانت السكينُ في يدهِ لكنَ ما أثارَ الشكَ في داخلي هو أنني وجدتُ أيضاً أثارً لشيءٍ على فمهِ ، ثم جاء رئيسُ الشرطةِ يقولُ لي أعتذرُ منكَ أيها المفتش لكنني عاجِزٌ عن ربطِ أي دليلٍ بالجريمةِ فقد كنتُ أُحاولُ مساعدتكَ ، فقلتُ لهُ لا داعي أن تعتذرَ أيها الرئيس لكن يبدو من الكلامِ أنها جريمةٌ تحملُ بعضَ التعقيدات ، لا تخف سوفَ نجدُ المجرِمَ وينالُ عِقابهُ.

أقتربتُ من مكانِ الجثةِ لأتفحصَها فلم تكُن الجريمةُ منذُ مدةٍ طويله وهذا ما كانَ واضِحاً على الجثةِ ومكانِ الدماء ، أستدعيتُ أبنَ القتيل و زوجته لأستجوابِهم ، جاءت الزوجة تبكي على فقدانِها ، أردتُ سؤالها عن أخر مرةٍ تحدثت بها مع زوجِها لكنني لم أشرَع في طرحِ سؤالي حتى دخلَ أخو القتيل حزيناً على موتِ أخيه ، جلسَ الجميعُ أمامي لكن الزوجة لم تستطيعَ السيطرةَ على بكائِها ، فأمرتُ بأخذ الجثةِ الى المشرحةِ لمعرفةِ سبب الوفاةِ الحقيقه و أخبرتُهم بأخذ قسط من الراحةِ لنُكمِلَ في ما بعد .

عدتُ من جديدٍ لهُم وبدأتُ فتحَ تحقيقي مع الزوجةَ فأخبرتني بُحرقةٍ أنها لا تستطيعُ أستيعابَ أنتحارِ زوجِها و أنهُ لا ينتمي لهذا النوعِ من الرجالِ الذينَ يخطِرُ في بالِهِم الأنتحار ، ثُم سألتُها عن علاقتِها بهِ فقالت أنَ علاقتُهما جيدةٌ ولا تحملُ أي حقدٍ بل كانت مليئةَ بالحُبِ والتقديرِ ولم يأتي عليهِم يومٌ قد ساءت بهِ علاقتُهما ، وكنتُ قد سألتُها عن أخرِ مرةٍ تحدثت معهُ فأخبرتني أنها تحدث معهُ قبل وقوعِ الجريمةِ بثلاثِ ساعاتٍ وكانَ يعاني من بعضِ الألمِ في جسدهِ ، أخذتُ أكتبُ ما أكملتهُ الزوجة فأنا كمُحققٍ لا أستبعدُ أحداً من أمامي الأ بدلائِلٍ قاطِعةٍ أما غيرُ ذلك فالجميعُ في نظري بدائِرةِ الأتهام ، وفجأةً رنَ هاتفي وعندما رأيتُ المتصِلَ أصابتني دهشةٌ إذ كانَ المُتصِلُ سائِقُ الأسعافِ الذي أمرتهُ بنقلِ الجثةِ للمشرحةِ فليسَ في عادتهِ أن يتصلَ بي ، عندَ أجابتي على الهاتفِ لم أستطيعَ فَهَمَ شيءٍ منهُ سوى أنهُ قد تعرضَ لحادثٍ و أنَ أحدهم قد خطفَ الجثةَ ، سقطَ هاتفي أرضاً من صدمتي و أبلغتُ رئيسَ الشرطةِ بالأسراعِ بأرسالِ سيارةٍ للسائقِ فقد كان يبدو عليهِ أنهُ يلفِظُ أنفاسهُ الأخيرة .

أكملتُ تحقيقي بالرغمِ من عدمِ تركيزي فقد كنتُ مشغولَ البالِ على ذلك السائقِ و أن هناكَ أحدٌ لا يُريدُ أن تصِلَ الجُثةُ الى المشرحةِ ، لم ألبث كثيراً حتى أستجمعتُ قواي وناديتُ أبن القتيلِ لتحقيقِ معهُ ، وبدأ بالقولِ أن علاقتهُ ليست قويةَ مع والدهِ الأ أنَ تلكَ العلاقةَ المُهمشةَ لا تدفعهُ لأرتكابِ الجريمةِ فسألتهُ أين كانَ حين وقوعِ الجريمةِ فأجابني أنهُ في المنزلِ وحينَ سألتُ الزوجةَ أجابتني بنفسِ الأجابةِ .

وبعدَ مرورِ وقتٍ على التحقيقِ كان يريدُ شقيقُ القتيلِ أن يذهبَ لمنزلهِ فهو لم يكُن في الحادِثةِ منذُ البدايةِ ولا يشارُ لهُ بأصابِعِ الأتهامِ ، فرفضتُ مُغادرتةُ بسبب ما وقعَ مع السائقِ ، فقد بدأتُ أشعرُ بفقدانِ الأمورِ و أن أي أحدٍ سوفَ يذهب لا بدَ أنهُ مُشتركٌ في هذه الجريمةِ ، وطلبتُ بهدوءٍ جلوسَ الشقيقِ لأخذِ أقوالهِ ، وعرفتُ منهُ أنهُ يقطِنُ في الشارعِ الخلفي لمنزلِ أخيهِ و أنهم كُلَ يومٍ يزورُ بعضهُم البعض ، و أن لا خِلافَ بينهُما يؤدي الى القتلِ الأ أنهُ كانت هناكَ مُشكلةُ مالٍ بينهُما ، ثم رنَ الهاتفُ من جديدٍ وكانَ أحدَ أفرادِ الشرطةِ الذينَ أرسلناهم للحادثِ فقال لي أنهُ في طريقهِ الى المشفى لنقلِ سائقِ الأسعافِ ووضعَ بعضَ زُملاءهِ للبحثِ في نطاقٍ واسعٍ عن الجثةِ وخاطِفها .

أرتاحَ قلبي لما فعلهُ الشرطيُ وثمَ أكملتُ التحقيق وكنتُ قد شعرتُ بغيابِ زوجةِ القتيلِ فطلبتُ أستدعائها وعدمَ مُغادرتِها من أمامي ، وحينما جاءت سألتُها عن سببِ مغادرتِها للغرفةِ فقالت أن هناكَ مُكالمةٌ قد جاءت لها من شخصٍ يدُلُها على مكانِ الجثةِ وعندما سألتُ رئيسَ الشرطةِ عن المكانِ المذكورِ ، قال لي أنهُ لا يبعدُ سوى رُبعِ ميلٍ عن هُنا ، فأرسلتُ الشرطةَ للمكانِ .

وبعدَ أقلِ من ساعةِ عادَ رجالُ الشرطةِ ومعهُم شخصٌ وجدوهُ يجلسُ بجانبِ الجثةٍ ، وعندَ سؤالي لهُ عما يفعلُهُ هناكَ قال أنا من أتصلتُ بالسيدةٍ لأُخبِرها ، وقد تعرفت عليهِ الزوجةُ وكانَ هذا الرجُلُ هو عاملِ نظافةِ كان قد نُقِلَ من الحيِ الذي نحنُ فيهِ الأن قبلَ عامٍ كامل ، لقد أزدات دائِرةُ الأتهامِ في رأسي ولم أعلم ماذا أفعلُ وكنتُ أنتظرُ بفارغِ الصبرِ أستيقاظَ السائِقِ لمعرفةِ ماذا حصلَ معهُ في طريقهِ ، أحضرتُ عامِلَ النظافةِ لأخذِ أقوالهِ فقال لي أنهُ تلقى أتصالاً من شخصٍ يبدو أنهُ كانَ يضعُ مضخِمَ صوتٍ من أجلِ أن لا يُكشفَ يُريدُ تسليمهُ طردً خاصاً ، وفورَ أنتهاءهِ من المكالمةِ دقَ بابُ منزلهِ ليجدَ الجثةَ أمامهُ ولم يجد الشخصَ الذي أتصلَ بهِ فدُهِشَ مما رأهُ ، و أكملَ قائِلاً أنهُ أثناءَ تفتيشهِ للجثةِ مُحاولاً معرفةَ من هذا الشخصُ المقتول كان قد وجدَ في يدِ القتيلِ ورقةَ حِساباتٍ ماليه بدت وكأن القتيلَ قد نزعها من الذي قاومهُ قبل قتلهِ .

عندما أخذتُ الورقةَ منهُ لرؤيتِها وجدتُ أنها تعودُ لشقيقِ القتيل وفيها بعضُ الحساباتِ التي كانت سبب مُشكلتهِم سوياً ، لم يدري ماذا يفعلُ أخيهِ فقد أعترفَ بالورقةِ أنها تعودُ لهُ ولكنهُ لا يعلم كيف قد وصلت هذه الورقةُ الى يد شقيقهِ المقتول ، فقد قالَ أنهُ لا يذكرُ أن أحداً قد طلبَ منهُ الورقةَ أو حاولَ سرِقتها ، وهنا قد بدء الأتهامُ من قِبلِ الزوجةِ للشقيقِ زوجِها وأرتفعَ صوتُ صُراخِهِما ، ثم وقفتُ و أسكتُ الجميعَ و أخذتُ متهمي الأولَ صاحِبَ الدليلِ المُثبتِ لغرفةٍ أخرى ووضعتُ عليهِ حراسةً حتى أُكمِلَ تحقيقي ، في تلكَ الأثناءِ أتصلتُ على المشرحةِ لمعرفةِ نتيجةِ التشريحِ وقد أخبروني أنها لم تصدُر بعد ، عدتُ لترتيبِ أوراقي والأقوالِ فأصابَ عيني لمعانٌ طفيفٌ جداً لشيءٍ صغيرٍ تحتَ الأريكةِ ، وعندما أمعنتُ النظرَ وجدتُ أنهُ حلقُ أُذُنٍ ثمَ نظرتُ للزوجةَ فوجدتُ أنها تلبسُ واحداً فقط .

حينَ مددتُ يدي لألتقاطِ الحلقِ وجدتُ أثارَ دماءٍ طفيفةٍ فعاودتُ النظرَ لأُذنِ الزوجةٍ وجدتُ بعضَ الخدوشِ بِفِعلِ نزعِ الحلقِ بعُنف ، وهنا علمتُ أن الزوجةَ لا بد و أنها هي من قتلت زوجها ولكن لماذا ما الدافِعُ وراء القتلِ هذا ، فصمتُ قليلاً لأرى ماذا سوفَ تقولُ لي نتيجةُ التشريحِ ، وجاءني الأتصالُ من المشرحةِ ليُخبرونني أن سبب الوفاةِ ليسَ قطعَ الشرايين و أنما بسبب تناولهِ لدواءٍ يدعى الكلورامفيِنيكول تسببَ في تجلطهِ وموتهِ ، أكمل الطبيبُ نتيجةَ التشريحِ ثمَ أنهينا المكالمةَ و أتصلتُ بالسائقِ وكانَ قد أفاقَ ليُخبرني بما حدثَ ، ثم أستدعيتُ الجميعَ لنكشِفَ الحقائقَ .

في بادئ الأمرِ أردتُ الأستماعَ الأخيرَ للحقيقةِ من الجميعِ ولكنَ لا أحداً يتكلمُ ، فقلتُ لهم أن سبب الوفاةِ ليسَ قطعَ الشرايين وأنما تناولُ دواءٍ يدعى الكلورامفيِنيكول وهو مضادٌ ميكروبيٌ كابِحٌ للجراثيمِ برغمِ من منعهِ لا أدري كيفَ وصلَ لفمِ القتيل ، ولكن نعودُ لأمرِنا إذ تم تناولُ هذا الدواءُ في كميةٍ كبيره سوفَ يسببُ الموتَ لأنه يقودُ الى نقصٍ في كرياتِ الدمِ البيضاءِ ونقصِ الصفائحِ الدمويةِ وأيضاً يقودُ الى التجلطِ والموتِ حينها ، وبينما أن لا أحداً منكم سوفَ يتحدثُ سوفَ أُبعِدُ أتهامي عن شقيقِ القتيلِ و أوجههُ لزوجتهِ التي قد جلست مع زوجِها و أحتست شرابً معهُ بعدما وضعت له الدواءَ بكميةٍ قاتِلةٍ لكنَ جسدهُ قاومَ قليلاً ليأخُذَ القدرُ مجراهُ لكشفِ الحقيقةِ في هذهِ الحياةِ ، وعندما رأت الزوجةُ أن زوجها لم يمُت بعدُ حاولت قتلهُ بالخنقِ كما أوضحَ لي رافِعُ البصماتِ الذي كانَ يجلسُ بجانبِ الطبيبِ ، فقاومَ الزوجُ و أثناءَ مقاومتهِ كان قد نزعَ بقوةٍ هذا الحلقَ أيتها الزوجةُ العزيزه ، وهنا أختلفت ملامحُ الزوجةِ حين رأتني أحملُ الحلقَ في يدي ، و أكملتُ كلامي وقلتُ أنك أنتي من باغثتي الشرطةَ لا أدري كيف ، وذهبتي مُسرعةً للحاقِ في سيارةِ الأسعافِ والأصطدامَ بها لأخذِ الجثةِ وهذا ما قلهُ لي السائقُ حينما أصطدمتي بهِ فقد رأى وجهكِ قبلَ أن يصابَ بالأغماءِ ، ثم حاولتي أن ترمي بالتهمةِ على شقيقِ زوجُكِ بوضعِ الورقةِ بينَ يديهِ عندما ذهبتي لعاملِ النطافةِ وجعلتي الأمرَ يبدو و كأن الورقةَ قد نُزِعت بشدةٍ ، لا أدري ماذا كُنتِ تُفكرينَ بعد ولكنني أتوقُ لأستماعِ السببِ الذي جعلكِ تُقدمينَ على هذهِ الجريمة .

فأجابت باكيةً لقد فعلتُ ما فعلتُ لأنَ زوجي لا يعطي لي أهتماماً ولا حُبً بالرغُم من أنكَ إذ رأيتنا سوياً لن تشعُرَ الأ بوجودِ حُبٍ لكن كُلُ هذا على العكسِ تماماً ، فقد كنتُ أرى الجميعَ سُعداءٌ في حياتِهم لذلك أشتعلَ الحقدُ في داخلي ، وزوجي لم يكُن يكترثُ كثيراً فقد أساء في مُعاملتي حتى أني شككتُ بخيانتهِ لي وهذه الأخيره التي قادتني الى ذروةِ الحقدِ ، لقد كنتُ أحاولُ فَهَمَ الحقيقةِ بسرقةِ هاتفهِ ليلاً الأ أنهُ يستيقظُ ويغضبُ لفعلتي ، فشعرتُ أن ما يحدُثَ حقيقي و أن قلةَ أهتمامهِ وعدمَ حُبِ وأساءتهِ في مُعاملتي كُلُ هذا كان سببهُ وجودُ طرفٍ ثالثٍ يُفسِدُ ما يحدُثُ في حياتي فهذا الذي جعلني أضعُ لهُ الدواءَ و أُزينُ فعلتي بقطعِ شرايينه لجعلِ الأمر يبدو كالأنتحارِ .

كبلتُ يداها وقلتُ مهما كانت أفعالهُ قد أساءت لكي لا يستدعي الأمرُ أن تفكري في القتلِ و أن تجعلي ظلامَ الشكِ والنفسِ يأخُذانكِ الى عالمٍ لا تستطيعينَ الخروجَ منهم الأ بقلبٍ أسودَ اللونِ لا يحملُ أي ذرةٍ بيضاءُ في داخلهِ .

وبعدَ يومينِ من فحصِ الهاتفِ تبينَ أن الهاتفُ فارغٌ من أي خيانةٍ أدعتها الزوجةَ ، و أتضحَ أن الوهمَ كانَ يسيطرُ عليها طيلةَ تلكَ الفترة.