يُروّج كثير من المتحدثين والأشخاص لمفهوم ريادة الأعمال، على أنها المستقبل .. وعلى أنها العنصر الأساسي في تقليص نسب البطالة في البلدان وأنها ستدفع عجلة الاقتصاد في المنطقة للأفضل وغيرها من الأمور المُحفزة.

لسنوات طويلة، كانت تركيز الخطابات الريادية (ولا يزال) على موضوع أساسي وهو : كيف تبدأ مشروعك؟ جميع المحاضرات والمواد التعليمية والمسابقات والنشاطات تنصب بالدرجة الأولى إلى تحفيز الناس للبدء في أعمالهم الخاصة وترك “عبودية الوظيفة” كما يُروجون. كانت تلك الخطابات تعلوها إيجابيّة “مبررة وقتذاك” بأن ريادة الأعمال تحمل في طياتها العديد من المميزات مثل : أنت من تضع ساعات العمل لنفسك، وأنت من يكتب لنفسك وصفك الوظيفي وكل شيء تقريباً تحت تصرفك ولن تُضطر يوماً ما لأن تتبّع قول مدير لا تثق به أو تختلف معه لأنك “مدير نفسك” في نهاية المطاف.

في موضوعي هذا اردت ان ألخّص فيه عن الجانب المسكوت عنه في الريادة. لن أقول المُظلم، ولكنه الجانب الذي لن تسمعه في الخطب التحفيزية أو من الأشخاص الذين لم يخوضوا غمار التجربة بصدق.

قبل البدء، أحب أن أوضّح فارق بسيط في تصوّري بين : المشاريع الصغيرة وبين المشاريع الرياديّة (وجهة نظر خاصة) : المشاريع الريادية التي سأتحدث عنها هي مشاريع خلاّقة في فكرتها أو في طريقة نموذج العمل الخاص بها (نموذجها الربحي).

مثال / مشروع مغسلة مثل باقي المغاسل يعتبر مشروع صغير. سيكون هذا المشروع مشروعاً ريادياً لو تم إحداث تغيير في طريقة عمله : مثال / مشروع مغسلة تقوم على البخار أو إزالة أهم الأوساخ أو مغسلة ومكوجي عن طريق الروبوت ! (مغسلة كباقي المغاسل، لكن المشروع نفسه خلاّق من ناحية التنفيذ) أو تغيير في نموذج العمل أو النموذج الربحي، مثلاً : يدفع المستهلك رسوماً شهرية يحصل بموجبها على عدد لا نهائي من الغسلات أو أن يقوم أصحاب المغسلة بالتقاط غسيلك من المنزل عوضاً عن أن تقوم أنت بالذهاب إليهم.

مهم جداً أن نرسم الخط الفاصل بين النوعين من المشاريع، لأن ما سأذكره في باقي حديثي ينطبق على الأرجح على المشاريع الريادية وليس على المشاريع الصغيرة. المشاريع الرياديّة ليست سهلة، لأسباب متعددة، أضع بين أيديكم هنا أهمها :

خذ وقتك! .. فكّر

كثير من الشباب وتحت وطأة الزخم الإعلامي عن الرياديين وريادة الأعمال، تجده يريد أن يبدأ “أي مشروع” وتطبيق “أي فكرة” .. لأنه يريد أن يُصبح ريادياً -ولو بالاسم حتى!-. يدفع هذا الشعور والضغط كثير من الناس إلى الاستعجال في البدء في المشروع بدون فعلاً التمحيص في بلورة الفكرة ورؤية الأثر في المشروع. لا أؤيد أن تفكر وتخطط كثيراً لمشروعك أو أن يثبطك وجود منافسين بدأوا في نفس المجال تكتشفهم بعد أو قبل تنفيذك الفكرة (paralysis by analysis)، ولكن المطلوب هو العمل على تحليل أولي بسيط للمشروع وجدواه ولو كان في ورقة واحدة (بوصلة نماذج المشاريع)

سبب مهم في فشل المشاريع الريادية هو التعجّل في الفكرة أو في السعي الحثيث خلف الألقاب والمسميّات قبل صقل الفكرة نفسها وإثبات وجود سوق وجدوى منها.

ابحث عن شريك !

يقول د. سلطان باهبري : “انتهى عصر النجوم، الآن عصر فرق العمل” . كثير من شركات رأس المال المخاطر في وادي السيلكون وغيرهم، يهمهم في المشروع : فريق العمل وتنوّعه قبل الفكرة وجدواها. كثير من هؤلاء المستثمرين يؤمن تماماً أن الفكرة ستتغير كثيراً – خاصة لو كانت الفكرة في المجال التقني والإنترنت – لكن الذي سيبقى والذي سيتم المراهنة عليه في نهاية المطاف هو فريق العمل.

مشاريع كثيرة تجد فيها أكثر من شريك. قد يكون وجود شريك في مشروعك سبب مهم لسد فجوة لن تستطيع أن تسدها أنت مهما استطعت. مثال/ شخص مالي ويفهم في التجارة لكنه يفتقر للتقنية ومشروعه الذي ينوي إطلاقه يعتمد على التقنية. لن يحصل هذا الشخص ذو النظرة المالية الممتازة، على النتيجة ذاتها لو تعاقد مع شركة تقنية معلومات وقام هو بالتواصل معهم، والنتيجة التي سيحصل عليها لو كان معه شريك تقني يستطيع هو تولي هذا الأمر.

أمثال شعبية كثيرة تخوّف وتنفّر من موضوع الشراكة على غرار : ” قدِر الشراكة ما يفوح” ، والواقع أن هناك أمثال أخرى محلية تتعارض مع هذا المثل : ” قومٌ(ن) تعاونوا ما ذلّوا “

في بداية مشروعك، لن تستطيع توظيف أشخاص برواتب عالية – خاصة إن كنت تبحث عن أشخاص بمهارات متميزة – فالحل هو في إدخالهم شركاء.

معظم المشاكل والاختلافات بين الشركاء – والتي لا تحفز الناس على إدخال شركاء – تكون بسبب عدم الاتفاق الأولي والوضوح في المسؤوليات والحصص قبل البدء.

تذكّر، لن تُنجز شيئاً أو لن تنجز كثيراً إذا كنت تريد أن تأخذ كل الإطراء – credit ، بل ستحصل على العكس حينما تقاسم غيرك في مشروعك منذ البدء أو لاحقاً بعد البداية.

التنفيذ هو كُل شيء

بمعدل شبه يومي، تأتيني استشارات من أشخاص أحسنوا الظن بي، حول فكرة مشاريعهم. أتفاجئ أن بعض الأشخاص أمضى سنوات طويلة جداً في مرحلة الفكرة ولم يُقدم على تنفيذ أي شيء فيها. التنفيذ هنا لا يعني أن تقوم بتنفيذ المشروع كاملاً، ولكن على الأقل التنفيذ الجزئي / اختبار السوق أو البدء بشكل صغير.

أفكارك لا قيمة لها أبداً بدون أن تنفذ. أفكارك الجميلة، التي تخاف أن يسرقها الآخرين منك، ستجد أن غيرك نفذها مالم تبادر إلى ذلك. أفكارك الجميلة والتي تم تطبيقها، يمكنك أن تنافس فيها مادمت تملك شغفاً في تنفيذها واستعداداً للتطوير فيها والتحسين وتقديم قيمة مضافة للعميل النهائي.

لا توجد حماية فكرية للأفكار، الحماية الفكرية تكون على براءات الاختراع في الغالب وإجراءات العمل المبتكرة. عدى ذلك، أن تضيع وقت في محاولة الاحتفاظ بفكرتك.

اعجبني هذا الموضوع اردت مشاركته معكم ،

ملاحظة:-

توجد بعض التعديلات الطفيفة

مصدر الموضوع الرسمي على :

مدونة مازن الضراب