تشهد ريادة الأعمال تحولات جذرية بفعل عدة اتجاهات ناشئة؛ فالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل أصبح محركًا أساسيًا لتطوير منتجات وخدمات جديدة بسرعة غير مسبوقة. في الوقت نفسه، يتوسع نموذج العمل المرن حيث يمكن لرواد الأعمال بناء فرق موزعة عبر العالم، ما يفتح المجال أمام تنوع أكبر في الأفكار والمهارات. ومن جهة أخرى، يزداد الوعي بأهمية الاستدامة، مما يدفع الشركات الناشئة إلى تبنّي نماذج أعمال تراعي البيئة والمجتمع بجانب تحقيق الأرباح. ومع تلاقي هذه العوامل، يبدو أننا أمام مرحلة جديدة تتجاوز حدود الريادة التقليدية نحو أشكال أكثر ابتكارًا وتأثيرًا. فإلى أي مدى يمكن لهذه الاتجاهات أن تعيد تعريف مفهوم النجاح الريادي في السنوات المقبلة؟
في رأيك، ما الاتجاهات الناشئة التي ستغيّر وجه ريادة الأعمال خلال السنوات القادمة؟
التحولات الحالية في ريادة الأعمال تفتح آفاق جديدة فعلا، لكن أظن أن التحدي الأكبر يكمن في السرعة. فالعالم يتغير بوتيرة غير مسبوقة، والنجاح لم يعد مقتصر على ابتكار فكرة فريدة، بل القدرة على التكيف المستمر. فرائد الأعمال الناجح لم يعد فقط من يطلق منتج ثوري، بل من يتمكن من إعادة ابتكار نفسه ومشروعه مرات عديدة مع تغير الظروف
لكن أظن أن التحدي الأكبر يكمن في السرعة.
وضعت يدك على نقطة فارقة؛ فربما تفكر في كلمة اليوم فتجدها غدا تم تطبيقها ليس بالشكل الذي فكرت فيه بل ربما أفضل.
في رأيك كيف نواكب هذا في الوطن العربي مع قلة التمويل والفرص وأيضا العقول التي تستثمر في الابتكار والشركات المخاطرة علما بأننا للأسف لا زلنا في الشرق الأوسط لا نفعّل استثمارات رأس المال المخاطر كما يقول الكتاب.
أعتقد أن من الاتجاهات الجديدة التي ستغير ريادة الأعمال هو دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مع التحليل العاطفي، بحيث تتمكن الشركات من فهم مشاعر واحتياجات العملاء بشكل أعمق وأكثر دقة.
هذا التطور سيمكن رواد الأعمال من تخصيص تجارب المنتجات والخدمات بطريقة شخصية جداً، مما يزيد من فرص النجاح والتميز في السوق، وبالتالي المستقبل سيشهد اعتماد أكبر على البيانات العاطفية وكيفية توظيفها عمليًا لتحسين المنتجات والخدمات، وهذا شيء جديد ومهم جداً يجب أن ننتبه له ونتقنه.
تحليلك مهم جدًا 👌 وفعلاً الثلاث اتجاهات دي (الذكاء الاصطناعي – فرق العمل الموزعة – الاستدامة) بتغيّر قواعد اللعبة. لكن لفت انتباهي سؤال: هل النجاح الريادي في المستقبل هيُقاس أكتر بـ الأثر المجتمعي ولا بـ النمو المالي؟
يعني هل هنشوف شركات ناشئة تفتخر بأنها قللت الانبعاثات أو ساهمت في رفاهية مجتمعات محلية أكتر من فخرها بحجم أرباحها؟
كمان إيه المهارة الأساسية اللي لازم يكتسبها رائد الأعمال عشان يواكب التحولات دي—التقنية، ولا مهارات القيادة عن بُعد، ولا الوعي البيئي؟
هل النجاح الريادي في المستقبل هيُقاس أكتر بـ الأثر المجتمعي ولا بـ النمو المالي؟
من أكثر العيوب الشائعة عن ريادة الأعمال أنها كلما ربحت كلما زادت قيمتها، هناك شركات بالمليارات أو يمكن أن تصل للمليارات وهي أصلا ربما لم تصل لنقطة التعادل. القيمة الحقيقية للشركة تُقاس بأرقامها من جهة وبما تُحدثه من تغيير في حياة الناس من جهة أخرى. الأثر المجتمعي يمنحها شرعية ومعنى يتجاوز صفقات السوق، والربح يظل مؤشرًا على الكفاءة والاستمرارية. في المستقبل، المعيار الأهم سيكون مَن ينجح في الموازنة بين الاثنين: الأثر الإنساني والجدوى الاقتصادية.
يمكن المعضلة الحقيقية إن السوق نفسه بيكافئ الربح السريع أكتر من الأثر طويل المدى.
في رأيك هل هناك أنظمة أو آليات ممكن توازن الكفتين بدل ما نخلي رائد الأعمال يختار واحدة ؟
ههل الأثر الإنساني فعلاً ممكن يُترجم إلى أرقام على المدى الطويل، ولا في شركات هتفضل تخسر لأنها ركزت على القيمة المجتمعية أكتر من الربحية؟
ولو أنت مستثمر وأمامك شركتين: واحدة ناجحة ماليًا بس مالهاش أثر اجتماعي واضح، والتانية تأثيرها ضخم على المجتمع بس لسه بتعافر ماديًا… أيهم تستثمر فيها؟ وليه؟"
الموضوع في رأيي مش سهل خالص، لأن السوق فعلًا بيكافئ الربح السريع أكتر من أي قيمة تانية، وده اللي بيخلي أي رائد أعمال في أزمة: يركّز على المكسب المباشر ولا يحاول يعمل أثر طويل المدى. لكن لو بصينا حوالينا هنلاقي إن الأثر الإنساني ممكن يتحول لفلوس وأرقام، بس بشرط يكون مربوط بنموذج عمل ذكي.
خد مثال شركة كريم (Careem): هي ما طلعتش نفسها في البداية كـ "بديل أوبر" وخلاص، لأ ركزت على خطاب اجتماعي واضح: خلق فرص عمل للشباب والسيدات. ده خلّى الناس والمستثمرين يتعاطفوا معاها ويدعموها. لكن اللي خلّاها تكمل وتتباع لأوبر بمليارات مش الخطاب الاجتماعي بس، إنما قدرتها إنها تربطه بالربحية والتوسع وتحقيق دخل ضخم من ملايين الرحلات. الأثر هنا اتحوّل لميزة اقتصادية.
وفي المقابل، في شركات مصرية ناشئة في مجال التعليم المجتمعي أو تمويل المشاريع الصغيرة (زي منصات بتشتغل مع القرى أو دعم سيدات معيلات)، الأثر بتاعها عظيم ومؤثر فعلًا، بس عشان ماكانش فيه نموذج ربح واضح، لقت نفسها معتمدة على منح وتبرعات، ومع الوقت ماقدرتش تجذب استثمار تجاري مستدام.
فلو حطيت نفسي مكان مستثمر، وعندي شركتين: واحدة ناجحة ماليًا بس مافيهاش أثر اجتماعي، والتانية عندها أثر مجتمعي قوي لكنها لسه بتعافر ماديًا… القرار هيتوقف على المرحلة. لو الموضوع استثمار طويل المدى وأنا مستعد أراهن، ممكن أروح للتانية بشرط تبقى عندها خطة واضحة إزاي تحول الأثر لفلوس. إنما لو بهتم بعائد سريع أو متوسط، غالبًا هاروح للأولى.
أفكر معك بعقلية المستثمر الذي يدخل السوق ليعظمم من رأسماله ولن يغامر بالدخول في مشاريع ضعيفه رأسماليا مهما كانت قيمتها المجتمعية إلا إذا كان هذا الرأسمال مخصص للتبرع وليس لجني الأرباح
عالم الأعمال لايفكر بالإنسانية والعواطف ، لغة المال هذ المحرك الرئيسي للمستثمر
واستثني من ذلك الفكر المبادرات العالمية التي تتبناها دول العالم الآن كا الاستثمار في المدن الذكية والبيئة الخضراء التي لها أثر أجتماعي ليس على الصعيد الشخصي كإستثمار بل على العالم كله
أفكر معك بعقلية المستثمر الذي يدخل السوق ليعظم من رأسماله ولن يغامر بالدخول في مشاريع ضعيفة رأسماليًا مهما كانت قيمتها المجتمعية… عالم الأعمال لا يفكر بالإنسانية والعواطف، لغة المال هي المحرك الرئيسي للمستثمر.
كلامك صريح يا أمل وفعلاً يعكس عقلية جزء كبير من المستثمرين، لكن النقد هنا أنّ حصر الاستثمار في لغة المال فقط قد يُضعف الرؤية. لو كان الأمر كذلك لما نشأ مجال كامل يُسمى الاستثمار المؤثر، حيث يسعى المستثمرون لتحقيق أرباح مستدامة مع أثر اجتماعي وبيئي ملموس. المال قد يكون المحرّك، لكنه ليس الوحيد؛ هناك قناعة متزايدة بأن المشاريع ذات القيمة المجتمعية تعيش أطول وتدرّ عوائد أقوى على المدى البعيد. تجاهل هذا البُعد يجعل رؤية المستثمر ناقصة، وكأنه يركّز على المكسب الآني ويترك الفرص التي تغيّر السوق بأكمله. من ناحية أخرى، المستثمر يبحث عن التقييم الأكبر Valuation وليس الأرباح خصوصا في الشركات الناشئة لأنها قد لا تحقق أرباح ولكن ال ROI الخاص بها يرتفع.
التعليقات