كثير من المنهجيات الحديثة في التعليم تنفّر من الاستمرار في التلقين، وتحث على تشجيع المتعلم على البدء بالبحث والنقد والنقاش في أصغر مرحلة عمرية ممكنة! وهذا يؤدي إلى التوقف في وقت مبكر عن ضخ معلومات ضرورية ومهمة بالشكل المكثف الذي يحث عليه المنهج التقليدي؛ فعوضاً عن أن يقضي الطالب وقتاً طويلاً في حفظ الأناشيد وتسميعها أو نسخ النص عشرات المرات لتحسين خطه أو حتى حفظ جدول الضرب عن ظهر قلب وترديده مرات ومرات، أو الاستعداد لامتحان صعب يحتاج منه حفظ الجدول الدوري للعناصر الكيميائية، تجده يبدأ بالبحث والنقاش في وقت لا يمتلك فيه بعد الأدوات اللازمة لهذا النقاش وذلك البحث، وهذه الأدوات تأتي من شيء واحد وواضح هو المعرفة.

وبمعرفة كم هو الطفل أكثر قابلية للحفظ والتعلم حتى قيل "العلم في الصغر كالنقش على الحجر" نجد أن من يتبع هذا المنهج يضيّع على الناشئين فرصة ذهبية لاكتساب قاعدة كبيرة من المعارف حين تكون تربة الذهن خصبة وجاهزة لاستقبال المعلومات بشكل هائل.

لا يحتاج الطفل إلى التفكير النقدي والنقاش والبحث قدر ما يحتاج إلى تعليمه أساسيات الحياة، من قواعد لغة وقدرة على الحساب وفكرة عن طريقة عمل العالم من حوله، بالإضافة إلى زاد من الأدب والمحفوظات وفكرة عن التاريخ والجغرافيا، مواد يتم شطب معظمها من المنهاج أحياناً واستبداله بقائمة مختصرة من المواد التي يختارها الطالب بنفسه. وإتاحة الفرصة لطالب في عمر صغير لاتخاذ قرار باستبعاد حقول كاملة كهذه من قائمة معارفة هو كارثة في نظري !

إن أنصار الحرية في التعليم المبكر يعطون الطلبة المعلومات بالطبع، ولكنهم يركزون أكثر على جوانب من الأفضل أن يبدأ التركيز عليها، في رأيي، بعد اكتساب الطالب الأساسيات، أي بعد خمس أو ست سنوات على الأقل من التحاقه بالمدرسة الابتدائية، أي في حدود سن 12!

ومشكلة هذا النهج أنه قد بدأ بالفعل في إنتاج جيل واثق من نفسه ولكن دون أرضية حقيقية لهذه الثقة؛ ثقة ناتجة عن تعبئة من نوع "أنت قادر على أن تناقش"، "عليك أن تكون نقدياً... إلخ" وبعضهم يندفع للنقاش في أمور لا يعرف أساسياتها!

فإلى أين تأخذنا دمقرطة التعليم؟