أتجنب في هذا الموضوع ذكر الأسماء لأن العبرة في القصة و الموضوع. كتبت في تعليق سابق [1] أنني الوحيد من بين أخوتي الذي أكمل دراسته الجامعية. لا أعلم عن حالهم و أسبابهم، أجد من يرى أن حياته الدراسية هي من ضمن خصوصياته التي يريدها أن تبقى سراً. الاستثناء هنا هي حالة أخي الذي يصغرني بفارق 6 سنوات. أخي هذا لم يكمل تعليمه الثانوي، و بالتالي ليست لديه شهادة ثانوية عامة. لا أحتاج لأذكر فائدة الشهادة فالكل يعرفها. برأيي أن السبب الرئيس وراء الحال السيء الذي وصل له أخي هذا بسبب سوء تأسيسه التعليمي في الابتدائية، و برأيي أنه لم يتلقى تعليماً جيداً في الابتدائية، و هذا ما جعله ضعيف المستوى إلى أن اضطر لترك الدراسة دون الحصول على شهادة.

لدينا في البحرين في الحلقة الأولى من المدارس الابتدائية ما يسمى نظام فصل، و الحلقة الأولى تعني صفوف الأول و الثاني و الثالث، بينما الحلقة الثانية تعني صفوف الرابع و الخامس و السادس. في نظام الفصل يوجد مدرس واحد يدرس مواد اللغة العربية و التربية الإسلامية و المواد الاجتماعية و الرياضيات و العلوم، و هذا المدرس يدرس خلال الحلقة الأولى. بمعنى آخر، مدرس واحد يدرس الطالب خمس مواد على مدى ثلاث سنوات، و هذا المدرس ينتقل مع الطالب من الصف إلى الصف الأعلى، و هذا يعني أنه يلتقي بطلاب جدد كل ثلاث سنوات . العملية كأنها دورة. في الحلقة الثانية كل مادة لها مدرس، لا يوجد مدرس يدرس أكثر من مادة، و لا يوجد من ينتقل، بل يتغير كل مدرس كل سنة لكن قد تجد من يدرس مادة خلال تلك السنوات الثلاث.

قبل شهر و نصف كنت أمشي في الصالة و رأتني أمي حينها، أخبرتني لما خرجت (منطقة أخرى غير التي نسكن بها) مع أبي ذلك اليوم أنهما رأيا الأستاذ فلان (الذي درسني خلال الحلقة الأولى)، كان ردي (بالعامية لكن أنقله بالفصحى): و ما شأني أنا أنكما رأيتموه؟ فكان ردها: من علمني حرفاً كنت له عبداً. كان ردي ساخراً: من علمني حروفاً كنت له خروفاً. ردت بكلام لا معنى له و لكن تجنبت الرد عليها. هذا المدرس نفسه درس أخي الأصغر مني بست سنوات. كما ذكرت، في نظام الفصل دورة، يلتقي المدرس بطلاب مختلفين كل ثلاث سنوات، و هذا المدرس التقى بأخ و أخيه بسبب تلك الدورة، لكن شتان بين الاثنين.

أتذكر أن والِدَي أرادا أن يكون أخي الأصغر أن يدرسه الأستاذ فلان، لأنه مدرس ممتاز، و لأن محمد (أنا) درس عنده و صار من المتميزين، و كان لهما هذا، الأستاذ فلان يدرس ابنهم. للعلم فقط، حصلت على تقدير ممتاز من الأول الابتدائي حتى الثاني إعدادي (متوسط)، لكن في الثالث الإعدادي و المرحلة الثانوية حصلت على تقدير جيد جداً. لا أعتبر تقدير جيد جداً سيئاً بالمناسبة. [2] امتيازي في تلك المرحلة كان سبباً في علاقة و معرفة بين والِديَ و الأستاذ فلان.

كان أخي على عكسي في تلك المرحلة، كان سيئاً من ناحية التحصيل الدراسي، و استمر على نفس الحال. هل كان أخي السبب في ذلك؟ برأيي أنا، لا. لم يكن أخي سبباً في حاله السيء، بل في الأستاذ فلان. لم يبذل جهداً لرفع مستوى أخي هذا، و أتمنى لو بذل جهداً على الأقل للعلاقة بينه و بين والِدَي. من حسن حظي أنني كنت أعرف القليل من القراءة و الكتابة و العد قبل دخول المدرسة حتى، و كان لدي بعض المعرفة في اللغة الإنگليزية، و قد ساعدني ذلك أخوتي الأكبر ثم اعتمدت على نفسي تماماً في الاطلاع على مصادر متعددة، لكن أخي الأصغر هذا لم يكن يعرف ما كنت أعرفه، و لم يتعلم من المدرسة و لم يجد من يساعده. أتعجب إن كانت أمي في ذلك اليوم قد أخبرت أخي أنها و أبي قد رأت الأستاذ فلان، و لا أظنها فعلت ذلك.

التفاصيل التي أود ذكرها كثيرة، و الموضوع حينها سيطول و يصير مملاً، لكن أستفسر عن وجود حالة مثالية في أنظمة التعليم العربية الحكومية، لا أريد معرفة وضع المدارس الخاصة أو الأهلية. أقرأ عن التعليم في فنلندا و أجد المقاطع في يوتيوب تتحدث عن الإنجاز الفنلندي في التعليم و كيف أنه مبني على تكافؤ الفرص و أنه يعمل على رفع مستوى الطلاب الذين لديهم صعوبات في التعلم. أنا لا يهمني إن كان هذا صحيحاً أم خاطئاً، و لكن عندما أتحدث عن الدول العربية، أود معرفة إنجاز في التعليم الحكومي العربي من رفع مستوى الطلاب الأقل حظاً و تحقيق أفضل تعليم للجميع.


[1]

[2] في جامعة البحرين، يشترط على المتقدم لأحد برامج الدكتوراه الفلسفية PhD أن لا يقل معدله التراكمي في برنامج الماجستير Msc عن 3.00 من 4. هذا المعدل يعني أن الطالب قد حصل على معدل تقدير B في كل المقررات، و يحصل الطالب على تقدير B إن اجتاز المقرر بنسبة 80%.