من أنا؟!

أنا بالنسبة إليكم كتلك الزهرية الجميلة التي وضعت على طوالة رخامية جميلة في وسط ميدان عام، شكل جميل من أشكال الفن الراقي والذوق الرفيع، لكن لا أحد منكم خطر بباله شراء باقة ورد جميلة لوضعها فيها، بل لم يفكر أحدكم في أن ينظفها إذا تراكم عليها والتراب وهاجمها العفن، إنما ستظل في مكانها مركونة مهملة تزين هذا الجانب من عالمكم، ولا احد يشعر بها. 

تجاهلتم فخسرتم

فإذا تفرغتم يوماً لها، وأردتم تنظيفها وتزينها بالورود، وقرر أحدكم أن يلمسها، فسوف تنكسر في يده كقشر البيض تماماً، لأن التراب والأفات التي استوطنتها لسنوات جعلتها تتآكل من الداخل دون أن يشعر بها أحد، وفور أن تنتهى صدمتكم من منظر رفاتها على الأرض، لن تحاولوا حتى التفكير في كيفية إصلاحها، وستنادون عامل النظافة يلمم أشلائها ويرميها في مكب النفايات، فبعد أن كانت عنواناً للرقي والجمال، صارت حطاماً لا منفعة منها لأحد ، وآخرها في محرقة القمامة. 

من نحن؟!

نحن نولد فنحب، ثم نبذل في سبيل ما نحب، حتى نشعر بالأنس في وجوده، والشوق في غيابه فنتعلق به؛

فيتركنا ويهجرنا جريا وراء المصالح الشخصية والمكاسب العفنة، ونبقى نحن نصارع الوحدة والتيه والألم حتى ننكسر،

فأما أن يقتلنا الجرح، أو يداويه شيطان،

فنفقد ما كان من طيبة قلوبنا وجمال أرواحنا، ويغطينا الحقد برداء من عفن،

فننقض كالسنور على كل من يحاول التقرب منا. 

كنا فصرنا 

ننهش في لحمه حياً حتى يستغيث، لنخرج فيه القسوة التى عانينا منها، لنجعله يصرخ ألما لكي يخرج كل آهاتنا التي لم يسمعها أحد،

لنوسعه ضربا أنتقاما ممن استغل طيبتنا واعتبرها ضعفا واحتياجاً. 

كنا زهريات جميلة تعبر عن الورد، فصرنا وحوشاً مخيفة تعبر عن الشوك، ولم يكن سبباً في تحولنا غير إهمالنا من كل من أخذ منا ولم يعطنا. 

زرعنا ولم نحصد

أعطيناكم الكثير: عمراً ومالاً وجهداً وأملاً وفكراً وقلباً وحباً وجمالاً. 

فما كان ردكم إلا أنتظر وسوف نتواصل معك، حتى تراكمت الأيام على الأعوام، وتكالبت علينا آفات الحياة ونحن ننتظر. 

غضبنا فرحلنا

كنا نحتاج فقط إلى سماع كلمات:

لولا وجودك…لماذا غبت؟!

لكننا تأكدنا تماماً بعد طول إنتظار أنكم نسيتم العهد، ولم تسألوا عن الماضي، فغضب وحزن، وتهاوى وانتكس، وصرنا لا نشعر بوجود الحب فيه، أو الحنين إليه.

واحة الصبار

وفي تلك اللحظة، ارتشحت الزهرية بالسواد، ولبست أزياء عفنها، ووقفت على شاهد قبرها، تبكي وصلكم وتترحم عليه، وتتعهد نفسها أنها لم ولن تسمح لأي كان بأن يزين بها ركن حياته ويتركها لتنكسر من جديد، جبرت كسرها وأصلحت من شأنها، ووضعت نفسها في الصحراء، في وسط غابة من الصبار، تزين مكاناً لن يراها فيه أحد، ولن تقترب منها فيه آفة، لا تريد أن يراها أحد، أو أن يستمتع بجمالها مخلوق، فأذا حدثت معجزة وسأل عنها أحد لن يجدها، لانها الآن في أسعد لحظات عمرها، هي الأن وحيدة.