في الأيام الماضية، كنت أبحث عن تعدد اللهجات العربية المتحدثة و التي لا تزال تستخدم. كثير من اللهجات التي وجدتها في مقاطع يوتيوب كانت جديدة علي و لم أسمعها قبل ذلك. أحد عوامل اختلاف اللهجات داخل البلد الواحد يعود إلى الجغرافيا التي تتعدد داخل البلد الواحد نظراً لأن بلداننا قامت على حدود سياسية تتعدد داخلها الشعوب و الثقافات. من متابعتي للإعلام المرئي سواء التلفزيون أو مقاطع يوتيوب، أجد الإعلام المحلي في الدول العربية يظهر لهجات، بينما هذه اللهجات لا أجدها. أوضح ذلك بأمثلة.

عندما نتحدث عن السعودية، فإننا نتحدث عن أحد أبرز الدول في العالم كله، حيث إنها تضم جغرافيا واسعة جداً تتعدد فيها الإثنيات، و منها تتعدد اللهجات داخلها. لما أرى الإعلام السعودي لا أجد غير تباين لهجتين: النجدية و الحجازية. أقصد بتباين اللهجة هو الشكل العام الذي يجمع عدة تغيرات لذات اللهجة، لأنه عندما نتحدث عن اللهجة النجدية، فهو لا يوجد لهجة نجدية واحدة، بل لهجات نجدية متعددة، تختلف باختلاف المناطق و القبائل، لكنها تتشابه -إلى حدٍ ما- في اللكنة و النطق، و الأمر ذاته ينطبق على اللهجةأو اللهجات الحجازية. في الأيام القضية وجدت مقاطع عن لهجات المناطق الجنوبية في السعودية. من ناحية جغرافية، تعد المناطق الجنوبية جزءاً من اليمن الجغرافية، لكن من ناحية سياسية، هذه المناطق إمارات متعددة لم تحكم من أي دول نشأت على أرض اليمن. العامل الجغرافي هذا مهم جداً، لو نلاحظ اللهجات الموجودة فيها، لا نجدها إلا تبايناً للهجات المناطق الشمالية في اليمن. وجدت هذه القناة التي ينشر صاحبها مقاطع بلهجة جبال فيفاء. لاحظوا اللسان المتحدث و اللبس.

نذهب شمالاً إلى الكويت. عندما نتحدث عن الإعلام في الكويت، فإننا نتحدث عن إرث كبير جداً من برامج و مسلسلات و مسرحيات كانت تتحدث باللهجة الكويتية. الكويت تاريخياً كانت جزءاً من إقليم الأحساء أيام الدولة العثمانية، و لا نتعجب إن نجد تشابهاً في لهجات هذه المناطق و استخدام نفس التعبيرات، و نفس الإرث الثقافي. لكن الكويت حالياً تضم مجموعة من الشعوب المهاجرة إلى أرضها، بالتالي لهجات متعددة. الإعلام الكويتي يبرز لهجة واحدة لا نجد غيرها. في الكويت توجد لهجات البدو الذين قدموا من مناطق قريبة، بالتالي لهجات بدو متعددة. الإعلام الكويتي لا يبرز إلا لهجة واحدة فقط.

نأتي إلى سوريا. تقع سوريا على جغرافيا كانت لها الأهمية الكبرى في المنطقة، فهي كانت مركز الخلافة في حقبة زمنية، و كانت أرضاً وفد لها العرب من الجزيرة العربية عبر التاريخ. الإرث التاريخي له تأثير كبير في سوريا. هذا الإرث له أثره في تعدد اللهجات في سوريا. في سورا تتعدد اللهجات كثيراً، لكن في الإعلام لا يظهر إلا تباين مجموعة محددة من اللهجات. من اللهجات التي تغيب عنا هي لهجات المناطق الشرقية في سوريا، و التي في شكلها تتشابه مع لهجات غرب العراق و ما يشبه لهجات شمال السعودية. هذه اللهجات لا توجد في الإعلام السوري و لا المسلسلات السورية.

نذهب إلى مصر. يعرف بقية العرب عن مصر تباين لهجتين، لهجة مصرة عامة (نعرفها إنها مصرية فقط) و لهجة صعيدية يتحدث بها سكان الصعيد و شعوب النوبة. تضم مصر في حدودها شبه جزيرة سيناء التي تقع جغرافياً في قارة آسيا، و هي الجزء الآسيوي من مصر. خلال 300 سنة ماضية، هاجرت قبائل و عشائر من شبه الجزيرة العربية و الشام إلى أرض سيناء و استقرت بها إلى يومنا هذا. لأهل سيناء لهجات متعددة لا تظهر أبداً في الإعلام المصري. فقط وجدتها من مقاطع يوتيوب.

أخيراً نتحدث عن المغرب. معرفتي بالإعلام في دول المغرب الكبير محدودة، و حتى إن الإعلام يتحدث كثيراً بغير العربية، و عادة الفرنسية. لكن وجود العربية في الإعلام في المغرب بلهجة واحدة هي الدارجة المسماة العروبية. لكن المغرب كغيره من الدول، به مجموعة من الشعوب تتحدث بلهجات مختلفة. أتحدث عن اللهجة الحسانية و التي هي مفهومة أكثر بالنسبة لنا من بقية اللهجات في المغرب و الموجودة في مناطق الصحراء الغربية.

اللهجات العربية كثيرة و متعددة. توجد لهجات لم أذكرها لمعرفتي المحدودة بها. مثلاً في عمان، توجد لهجات في مناطق ظفار، لكن البعض يراها عليها لغات مختلفة، و كذلك في اليمن.

هذا يدفعني للسؤال: لماذا لا تظهر كل تلك اللهجات في الإعلام؟ هل هذا عن عمد؟ هل الأمر مرتبط بعوامل أخرى؟