هل اضطررت للاستماع إلى حديث أحدهم كاملًا رغم أنك قد سمعته منه من قبل ربما أكثر من مرة؟ هل منعك الحياء أن تطلب منه التوقف أو تغيير الموضوع؟... كم مرة اشتريت شيئًا لست معجبًا به تمامًأ فقط لأنك شعرت بالحرج أمام إلحاح البائع عليك؟.. أعطيت شحاذًا بعض المال اليوم لأنه حاصرك بالتوسل والاستجداء رغم قناعتك أنه فقط محترف لهذه المهنة وليس محتاجًا بالفعل!... يكلفك الأهل أو الأصدقاء أو مديرك في العمل بأعمال كثيرة فاقت قدرتك ورغم ذلك قبلتها جميعًا رغم حاجتك الملحة لقول (لا) يمكنني فعل ذلك كله فقط لشعورك الوهمي بالواجب والمسئولية... كتمت استياءك عن مزحة سخيفة من أحد أصدقائك كيلا تجرحه أو تحبطه!!

هذه المواقف وغيرها الكثير تواجهنا يوميا ويكون لكثير منا نفس رد الفعل تقريبًا وهو الاضطرار للقبول والحرج من قول لا أحب...لا أقبل.. لا أستطيع.. لا أريد!!!

ما نتيجة ذلك؟.. ببساطة شديدة نتيجته سلسلة من الإذعان اليومي لأمور لا نحبها، حتى تصير معظم أفعالنا اليومية أمورًا اضطرارية؛ فأعمل ما لا أقوى على أدائه.. أضحك على نكات سخيفة من وراء قلبي.. أتحمل ثرثرة هذا وذاك لساعات طوال.. ثم أين أنا من كل ذلك؟.. أين رغباتي الحقيقية وتعبيري عن الإعجاب أو حتى الاستنكار الحقيقي لشيء ما... هذا النمط من السلوك هو أحد صور عدم القدرة على توكيد الذات أو التعبير عنها بشكل صحي أمام الآخرين.. الاستمرار في هذا التصرف يولد في نفس الإنسان مشاعر سلبية كثيرة وأسوأها على الإطلاق الشعور بأنه أقل من الآخرين؛ إذ يلزمه دومًا إرضاؤهم وإسعادهم والحفاظ على مشاعرهم ناسيًا نفسه في هذه الدوامة، ثم كارهًا لها ولسلبيتها مع مرور الزمن.

في أحد الأيام خرجت مع بعض الأصدقاء لتناول الغداء في مطعم جديد لم نتعامل معه من قبل لأنه الموجود في طريقنا.... إحدى الصديقات لم يعجبها أن الطعام ليس ساخنًا كما ينبغي، فنادت العامل وطلبت طبقًا آخر ساخنًا، استجاب لها ... ثم نادته ثانية لأن الطبق الآخر كان بلاستيكيًا وهي لا تحب الأكل في هذا النوع من الأطباق .. قلنا لها ما عليك إنه طبق جيد ونظيف، فأصرت أن تطلب من العامل تغيير الطبق بآخر زجاجي أو فخار.. تحاور معها قليلًا ثم استجاب... بعد أن انتهينا من طعامنا وجاءتنا فاتورة الحساب راجعتها رقمًا رقمًا وأخذت تجادل البائع فيها ثم دفعت الحساب بعد أن اقتنعت بأنه سليم.. وشعرنا أنها تبالغ قليلًا.. الغريب أن العامل لم يحرص على معرفة رأي أي منا في الطعام، بل حرص على أن يعرف رأي صديقتنا تلك التي اعترضت أكثر من مرة... صديقتنا قالت لنا أنا لا أقبل بشيء لا أرضى عنه تمام الرضا.. ولماذا أقبل بنصف جودة شيء يمكنني أن أناله كأجود ما يكون، هذا مبدئي في حياتي وفي عملي أيضًا.

تكثر مطالبنا في وطننا العربي في حياة أفضل ونرى الناس تخرج في الشوارع لقول لا .. وهذه ذروة رفض الأوضاع التي لا ترضينا .. أن نرفضها ممن بيده السلطان والبطش... ولكن من لا يستطيع أن يقول لا لطبق لا يعجبه أو حوار طويل يمله أو أو ... لا يمكنه أن يقولها لحاكم جائر يظلمه.