على الرغم من مميزات مواقع التواصل الاجتماعي الكثيرة والمتعددة، إلا أنها أخرجت لنا أحد أشد الفيروسات الاجتماعية فتكًا .. الـ Public Figure

قديمًا كانت الشهرة تُبنى على إنجاز معين تم بذل جهد كبير فيه، سواء أكان ذلك الإنجاز هام للبشرية أم تافهًا لا يقدم أو يؤخر. فالناس بالتأكيد تعرف أسماء مثل توماس إديسون على الرغم من غياب وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة حينذاك. بل إنه من الطرافة أن تعلم أنه ذات مرة كان إديسون في البنك، وبسبب شدة نسيانه، نسي اسمه عندما سأله الموظف عليه، فبادر الناس من حوله: اسمك توماس إديسون، مستر إديسون. وهذا من شهرته بينهم. كذلك الممثل الفلاني حصل على شهرته نتيجة جهد كبير بذله على مدار سنين من التعب.

أما الآن فالوضع يختلف كثيرًا .. كل ما عليك فعله هو نشر بوستات غريبة، مستفزة، صادمة، مفاجئة، مختلفة على الشبكات الاجتماعية وستحصل على الشهرة بين ليلة وضحاها، من خلال آلاف المعجبين والمتابعين الذين رأوا لأنه بوستاتك أخذت عشرة آلاف شير، فهذا معناه أنها بوستات قيمة، تنشر محتوى مفيدًا.

شخصيًا لا أعترض على الشهرة التي تحصل عليها طالما تستحقها. حينما يشتهر شخص مثل د. أشرف إبراهيم الباحث في علم الاقتصاد، أو عماد أبو الفتوح الكاتب الذي له رأي يعتبر ووجهة نظر محترمة، أو أحمد سالم مدرب تنمية الذات، الذي يناقش عشرات القضايا الاجتماعية على ملفه، فهذا أمر منطقي ومقبول. ولكن حينما يشتهر شخص تافه ينشر بعض الكلمات الفجة، والآراء السطحية، والأخبار التافهة، ويحظى بآلاف المعجبين من حوله، يظنون أنه علامة فارقة في تاريخ البشرية .. فهذا مالا أستوعبه أو أقبله على الإطلاق.

بل يتعدى الأمر ذلك، فيصبح له بريستيج Prestige خاص به، يجبره على اتخاص بعض الإجراءات مع من حوله، أو من هم على ملفه الشخصي الـ Public.

فمثلا الـ Public Figure لا يرد على أحد في الرسائل على الإطلاق .. لسان حاله يقول: من أنتم؟ (بصوت القذافي)

الـ Public Figure لا يقوم بعمل لايك Like أو التعليق على بوست لشخص أقل منه في المستوى. والمقصود بالمستوى هنا ليس المستوى العليمي أو المهني، وإنما المستوى في عدد المتابعين.

أما الإعلام المرئي، فيساهم في شهرة أولئك – البابلكيين – بشكل مستفز، فيرى أحدهم قد صار له عشرات الآلاف من المتابعين، فيسارع بعمل لقاء معه على أحد القنوات الفضائية، يتحدثون فيها عن جهاده في صناعة الميديا التي جلبت له هذا العدد من المتابعين، وقلة قليلة جدًا منهم هي تلك التي تقدم محتوى أو قيمة حقيقية.

ما هذا الذي يحدث؟ أين عقولكم؟

سيكولوجيًا، يتحول نشاط البابلك فيجر من شخص يقدم محتوى – أيًا كان نوعه – إلى شخص يحرص على رضا جمهوره، حتى يستمر في حصد اللايكات والشير والتعليق والحديث عنه. هذا فضلا عن استغلاله لعدد المتابعين في دعم أنشطة تجارية لطرف ثالث بمقابل مادي بالطبع.

ذات مرة قام أحد الـ Public Figure بنشر بوست شديد الاستفزاز عن الشباب (الذكور) وأنهم يشعرون بالغيرة من بعضهم البعض، وأنهم يصنعون المكائد لبعضهم البعض، وأنهم وأنهم .. وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان. فانهالت الردود والشتائم عليه من متابعيه، على غرار (طب إنت مش راجل .. بتجيب سيرة الرجالة ليه؟– إنت فاكر كل الرجالة زيك؟ – معلش، ما هو لما تبقى كل قعدتك بنات، هتعرف تكون راجل إزاي! معذور – .....الخ).

وعلى الفور قام الـ Public Figure الذي يخشى فقدان متابعيه، بإلغاء البوست المستفز، خشية أن ينال من انحطاط الشعبية ما هو أكثر من ذلك. أي أن الأمر لا علاقة له بالتعبير عن الرأي والفكر، وإنما إرضاءً للمتابعين للحفاظ عليهم وعلى بقائهم متابعين له.

هذا الذي يحدث أراه تراجع كبير في مستوى المحتوى العربي، وانحطاط كبير في الذوق العام، وتوسيد الأمر لمن لا يستحق، ونحن بتأييدنا أو متابعتنا لمثل هؤلاء إنما نساعدهم على هذا