لم يثبت في عهد النبي صلى الله عليه سلم ولا في عهد الصحابة الكرام أن تلبس جني بالإنس وكل أحاديث التي تتحدث عن تلبس هي صنفها علماء إما ضعيفة أو موضوعة . من الأدلة التي يستدل بها مصدقين بتلبس الجن حديث المرأة السوداء، حينما قالت للنبي عليه الصلاة والسلام "إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي".

نعم هذا الحديث في الصحيحين، وهو مثال واضح جدا للأدلة الصحيحة غير الصريحة التي يستدلون بها، فالمرأة حينما اشتكت للنبي عليه الصلاة والسلام قالت: "إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله تعالى لي" فأجابها عليه الصلاة والسلام بقوله: "إن شئت صبرتِ ولكِ الجنَّة، وإن شئتِ دَعَوت الله تعالى أن يعافيك"، فقالت: أصبر، فقالت: إنّي أتكشفُ فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها".

هذا نص الحديث وليس فيه ما يفهم منه أن صرعها كان بسبب الجن، بل كل ما فيه أنها تصرع، والصرع مرض معروف لدى الأطباء، وفي عصرنا بات علاجه سهلا وميسورا، وهل يصح لو أن صرعها كان بسبب الجن (كما فهموا منه) أن يتركها الرسول عليه الصلاة والسلام للجني يتلاعب بها دون أن يرشدها إلى ما تدفع به شر صرعه لها؟

 ولايمكن أبدا أن يحدث تلبس للأنس من الجن لأن الله عز وجل مكن للأنسان في الأرض وإذا

قبلنا فرضية التلبس للجن فإننا بذلك نعطي للجن قدرة للتحكم بالبشر و التلاعب به وهذا ما لم يمكنه الله عز وجل للجن ،إن علاقة الشيطان بالإنسان علاقة العداوة والبغض، وقد أوضح القرآن الكريم أن تلك العداوة من جانب الشيطان لا تتعدى الوساوس ومحاولة خداع الإنسان كي يقع في الأخطاء التي تسلبه إيمانه بالله عز وجل، و قد شرح القرآن الكريم عداوة إبليس وذريته لآدم ونبيه والله تعالى يقول: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً)، «سورة الإسراء: الآية 64»، فالجن أو الشيطان لا يملكون الدخول في جسد الإنسان كما يدعي الدجالون والنصابون، ولو كان الشيطان يملك «ركوب» الإنس، كما يزعم هؤلاء لمنع كل المسلمين من الذهاب للمسجد ولمنعهم من أداء فروض الله عز وجل، ولكن الحقيقة أنه لا يملك أكثر من الاحتيال والخداع ويستغل تلك الأمور لتضليل الناس عن السبيل الحق.

 ما يجب التنبيه عليه في هذا السياق أن كتب العقيدة احتوت أمورا ومقولات ليست من صميم العقيدة، وهي عبارة عن آراء تناقلها اللاحق عن السابق، وقد تكون بعض تلك الأقوال اختلطت فيها الأوهام بالحقائق، ونتيجة لتداولها عبر الأجيال غدت وكأنها من مسلمات الدين وقطعيات العقيدة وهي في حقيقة الأمر ليست كذلك.

لاتتركوا مجال للخرافات بأن تعشش في أدمغتكم .