يبدو أننا لم نتغير منذ أن كتب نزار قباني هذه القصيدة .. لن أطيل أترككم معها:
للاستماع:
القصيدة:
-1-
حين يصيرُ الفكرُ في مدينةٍ
مُسَطَّحاً كحدوةِ الحصانْ ..
مُدوَّراً كحدوةِ الحصانْ ..
وتستطيعُ أيُّ بندقيّةٍ يرفعُها جَبانْ
أن تسحقَ الإنسانْ
حينَ تصيرُ بلدةٌ بأسرِها ..
مصيدةً .. والناسُ كالفئرانْ
وتصبحُ الجرائد الموَجَّههْ ..
أوراقَ نعيٍ تملأُ الحيطانْ
يموتُ كلُّ شيءْ
يموتُ كلُّ شيءْ
الماءُ ، والنباتُ ، والأصواتُ ، والألوانْ
تُهاجِرُ الأشجارُ من جذورِها
يهربُ من مكانِه المكانْ
وينتهي الإنسانْ
-2-
حينَ يصيرُ الحرفُ في مدينةٍ
حشيشةً يمنعُها القانونْ
ويصبحُ التفكيرُ كالبغاءِ ، واللّواطِ ، والأفيونْ
جريمةً يطالُها القانونْ
حينَ يصيرُ الناسُ في مدينةٍ
ضفادعاً مفقوءةَ العيونْ
فلا يثورونَ ولا يشكونْ
ولا يغنّونَ ولا يبكونْ
ولا يموتونَ ولا يحيونْ
تحترقُ الغاباتُ ، والأطفالُ ، والأزهارْ
تحترقُ الثمارْ
ويصبحُ الإنسانُ في موطنِه
أذلَّ من صرصارْ ..
-3-
حينَ يصيرُ العدلُ في مدينةٍ
سفينةً يركبُها قُرصانْ
ويصبحُ الإنسانُ في سريرِه
محاصَراً بالخوفِ والأحزانْ
حينَ يصيرُ الدمعُ في مدينةٍ
أكبرَ من مساحةِ الأجفانْ
يسقطُ كلُّ شيءْ
الشمسُ ، والنجومُ ، والجبالُ ، والوديانْ
والليلُ ، والنهارُ ، والبحارُ ، والشطآنْ
واللهُ .. والإنسانْ
-4-
حينَ تصيرُ خوذةٌ .. كالربِّ في السّماءْ
تصنعُ بالعبادِ ما تشاءْ
تمعسُهمْ .. تهرسُهمْ ..
تميتُهمْ .. تبعثُهمْ ..
تصنعُ بالعبادِ ما تشاءْ
حينَ يصيرُ الحكمُ في مدينةٍ نوعاً من البغاءْ
ويصيرُ التاريخُ في مدينةٍ ..
مِمسَحَةً .. والفكرُ كالحذاءْ
حينَ تصيرُ نسمةُ الهواءْ
تأتي بمرسومٍ من السلطانْ
وحبّةُ القمحِ التي نأكلُها ..
تأتي بمرسومٍ من السلطانْ
وقطرةُ الماءِ التي نشربُها
تأتي بمرسومٍ من السلطانْ
حينَ تصيرُ أمّةٌ بأسرِها
ماشيةً تعلفُ في زريبةِ السلطانْ
يختنقُ الأطفالُ في أرحامِهمْ
وتُجهَضُ النساءْ ..
وتسقطُ الشمسُ على ساحاتِنا ..
مشنقةً سوداءْ
-5-
متى سترحلونْ ؟
المسرحُ انهارَ على رؤوسِكمْ ..
متى سترحلونْ ؟
والناسُ في القاعةِ يشتمونَ .. يبصقونْ
كانتْ فلسطينُ لكمْ ..
دجاجةً من بيضِها الثمينِ تأكلونْ
كانتْ فلسطينُ لكمْ ..
قميصَ عثمانَ الذي بهِ تُتاجِرونْ
طوبى لكمْ ..
على يديكمْ أصبحتْ حدودُنا من وَرَقٍ
فألفُ تُشكَرونْ ..
على يديكمْ أصبحتْ بلادُنا
إمرأةً مباحةً .. فألفُ تُشكَرونْ
التعليقات