حين يعود الماضي بخطواته الصغيرة

لا نملك إلّا أن نخلع ما أثقلنا

ونمضي خلفه بقلوبٍ خفيفة... كما كنّا!




لم أكن يومًا من هواة الكتابة التي تهزّ الروح

أهرب دائمًا من اللحظات التي تُظهر العظم تحت الوجع

وكلُّ نصٍّ يفضح ليونة قلبي

أطويه سريعًا في مقلب النسيان




ظننتُ طويلًا أنّ الألم مساحةٌ خاصّة

لا يليق أن تُعرَض أمام العيون

لكنّ الحياة بعشقها لكسر قوانيننا الداخليّة

تسحبنا بلا رحمة إلى لحظاتٍ يضيع فيها الإنسان حقَّه في التخفّي

خانني مبدئي

وتواطأ الحنين مع اللحظة ضدّي




أقاوم ضعفي منذ أدركتُ أنّ الكلمات

لا تُجفّف دمعة

ولا تستر عينًا مبلّلة بالعالم

أكتبُ كي تتجلّد روحي بما يكفي من صلابة

كي لا يظنّ أحد أنّ تحت جلدي غصّةً تتلوّى




وفي اللحظة التي توهّمتُ فيها السيطرة على كلّ شيء

وجدتُ نفسي اليوم، بعد سبع سنوات، في قلب دفءٍ قديم

محاطًا برفاق الطفولة

ضحكاتهم، أحاديثهم

كلّ شيء يجمع ما فرّقته السنوات

ويعيد إلى الأرواح ما فقدته من البهجة والصفاء




لقاء عابر قادر على أن يعرّيني بهذا القدر

أن يعيد تشكيل ملامحي الأولى

وسط مقيلٍ اشتقتُ إليه كثيرًا

مقيلٍ امتلأت فيه الأرواح فرحًا

وتصالَح الكلام فيه مع الصدور التي طال صمتها

فتبادلنا من الأحاديث ما يكفي لينهض القلب من رماده

ليعود حيًّا كما كان




سقط القناع الذي ظلّ يحميني طويلًا

وصار قلبي مكشوفًا تحت وهج الحكايات البسيطة

كلٌّ منّا يروي ما ظنّه اندثر




كشف هذا اللقاء هشاشتي

وأنا أدّعي الثبات دائمًا

واتّضح أنّ الصلابة التي ترتديها كتاباتي

ليست إلّا درعًا واهنًا أمام دفء الطفولة حين تعود




رأيتُ في عيونهم صبيًّا

حاولتُ نفيه طويلًا من الذاكرة

وابتسامةً لم تُلوّثها سخام السنين

شعرتُ أنّني أنخلع من ذاتي المتصلّبة

وأعود طفلًا يستعيد اسمه الأوّل

ضحكته الأولى

وليونة الحلم في قلبه

ولذّة الركض واللعب بلا وزنٍ للزمان




اشتقتُ إلى رائحة هذا السمر

إلى الأرض التي تحفظ أسماءنا الصغيرة

وأحلامنا التي لم تكبر بعد

إلى خطواتٍ تعرف طريقها

من غير أن نسألها عن المآل




كتبتُ هذه السطور استجابةً لرغبة صديق أراد للحظة أن تظلّ حيّة

لم أرغب أن أخونها مجدّدًا، وأُلقي بها في سلّة النسيان

فثمّة ذكريات لا يجوز نسيانها

لأنّها وحدها تعيد ترتيب القلب وتمنح الحياة ملامحها الحقيقيّة.!




فكري محمد الخالد