يمرّ الإنسان في حياته بظروفٍ وتحدياتٍ شتّى، بعضها واضح الأسباب، وبعضها غامضٌ لا يُدرَك إلا بمرور الزمن.
وفي خضمّ تلك الابتلاءات، يتسلّل إلى ذهنه سؤالٌ مؤلم: "لماذا أنا؟"
هذا السؤال — على بساطته — يكشف عن جهلٍ بحكمة الله في الخلق، وغفلةٍ عن طبيعة الامتحان الذي وُجد الإنسان لأجله.
إن حقيقة الدنيا أنها دار فناء، وأنها مؤقتة وزائلة، وهي مرحلة اختبار وابتلاء للإنسان، وليست دار جزاء مستقر.
فكثيرًا ما يظنّ المرء أنّ ما أصابه فريدٌ في نوعه، مع أنّ غيره قد يواجه ما هو أشدّ، وربما في صمتٍ لا يُسمَع.
فهم الأقدار
الأقدار، من حيثُ مصادرُ أسبابِها، يمكن تقسيمُها إلى قسمين رئيسين:
- أقدار بأسبابها الطبيعية، تأتي وفق سنن الحياة وتقلباتها.
- وأقدار مفتعلة، تنشأ من مكرٍ أو فتنةٍ أو ظلمٍ بشريّ، لكنها في النهاية لا تخرج عن دائرة علم الله وقدرته.
وفي كل الأحوال والأقدار، السخط لا يحلّ المشكلة، بل يزيدها عمقًا وألمًا.
فالاعتراض على القدر لا يرفع البلاء، وإنما يحرِم صاحبه لذّة السكينة والإيمان.
هل يمكن مدافعة الأقدار؟
لا يستطيع الإنسان أن يدفع القدر إلا بقدر آخر قدره الله، ولا يمكنه ذلك إلا بمشيئة الله وفضله وحكمته،
يمكن دفعها لا منعها، فمنعها ليس بمقدور الإنسان، حتى أن دراسة المشكلة قبل حدوثها تعتبر من الأسباب المهمة لدفع القدر بالقدر، لكن القدر التي يريد الله تمامه لا تستطيعه الأسباب، كما تلخص هذا المفهوم قصة موسى وفرعون.
والأسباب نفسها قدرٌ إلهي، فهي دفعُ القدرِ بالقدر.
غير أن هذه المدافعة لا تكتمل إن خالطها سخطٌ أو جزع،لأن مقام العبودية الحقّة لله يقوم على الرضا لا التذمّر.
وإن بدا ظاهرًا أن الإنسان قد يدفع بعض الأقدار بالأسباب الممزوجة بالسخط، فإنّ النتيجة تكون خطيرة على نفسه وقلبه وإيمانه.
قال النبي ﷺ:
"إن عِظَم الجزاء من عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط."
(رواه الترمذي وحسنه الألباني)
من معانى الرضا
الرضا ليس استسلامًا، بل قبولٌ هادئٌ وتسليمٌ واعٍ لما يجري، مع الثقة بأنّ في كل ما يقدّره الله خيرًا خفيًّا، حتى لو لم نُدركه بعد.
والرضا لا يعني ترك الأسباب، بل أن تجاهد وتعمل وتدعو دون أن تسمح للحزن أو الغضب أن يطفئا نور إيمانك.
وصايا للتعامل مع الأقدار
حسن الظن بالله:
قال تعالى في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي..." فكلما أحسن العبد ظنه بربه، ازداد قلبه طمأنينة وثقة بالفرج.
الدعاء:
سلاح المؤمن ووسيلة اتصاله الدائمة بربه، يبدّل الحال ويفتح الأبواب المغلقة.
الصدقة:
تدفع البلاء وتُضاعف البركة وتفتح أبواب الرحمة.
حسن النية:
فصفاء القلب يجلب الراحة قبل الفرج.
حسن التعامل:
الثبات على الأخلاق رغم الشدائد دليل على نضج الإيمان.
الحكمة:
في قراءة الأحداث وعدم التسرّع في الحكم عليها، لأن ظاهر الابتلاء لا يكشف كلّ حكمة باطنه.
الأسباب المادية:
الأخذ بها جزء من السنّة الإلهية، وهي دليل على الإيمان لا على ضعف التوكل.
خاتمة
ما تمرّ به اليوم، يمرّ به غيرك أيضًا،وربما من تشكو إليه مصيبتك يعيش ما هو أشدّ منها.
تذكّر دائمًا: الرضا لا يُغيّر القدر، لكنه يُغيّرك أنت أمام القدر. فيجعلك أكثر قوة، وطمأنينة، وعمقًا في فهم حكمة الله.
هل سبق أن اكتشفت أن ما ظننته شرًا كان في النهاية خيرًا لم يخطر ببالك؟
التعليقات