الحب وما أدراك ما الحب
الحب بمنظوري أنا
أحمد محمد قايد عبدالرب ( أبا الحسن حماد )
كلما تأملت حال المحب وسألته: "هل تحب؟" يجيبك بتردّد: "لا أعلم."
وكأن الحب سرٌّ من أسرار النفس، لا يُدركه صاحبه إلا إذا غمر قلبه تمامًا، فحينها فقط يستطيع أن يقول: "نعم، هذا هو الحب."
الحب أشبه ما يكون بسؤال الإيمان. فلو سألت إنسانًا لم يعرف جوهر الدين: "هل أنت متديّن؟" لأجابك: "لا أعلم. صف لي الدين أولًا، ثم أخبرك إن كنت متديّنًا أم لا."
كذلك الحب، لا يُدرك إلا بالتجربة، ولا يُعرَّف إلا بالمعاناة.
الإنسان قد لا يعيش تجربة الحب، لكن فطرته البشرية تدفعه إلى الحديث عنه والإنصات له، كأن النفس تبحث في قصصه لتسدّ فراغًا داخليًّا، أو لتملأ نقصًا في أعماقها.
فالحديث عن الحب – حتى دون تجربة – يمنح القلب انشراحًا مؤقتًا، وكأن الروح تتلذذ بمجرّد صورته قبل أن تتذوّق حقيقته.
لكن إن عاش المرء تجربة الحب، تغيّر كل شيء: لم يعد يصغي لقصص الآخرين، لأنه أصبح هو الحكاية. لم يعد يتساءل عن ماهيته، لأنه غدا صاحب تجربة وخبرة.
الحب، في جوهره، هو ميل نفس إلى نفس أخرى، انجذاب غامض يتجاوز العقل إلى أعماق الغريزة والوجدان.
خذ مثلًا: لك أخت تحب الحديث معها، يشرح صدرك حديثها لكنه يبقى حبًّا عاقلًا لا يثير فيك غريزة. أما مع المحبوب، فإن الكلام يوقظ مكامن دفينة، ويطلق هرمونات السعادة، فيغدو كل لفظ منه كأنه امتلاك للحياة بأسرها.
قال أحدهم يومًا:
"لا تحاول الوصول لإنسان لا يحاول الوصول إليك، ولا تحارب العالم من أجل إنسان لا يستطيع أن يحارب كبرياءه من أجلك."
لكن الحقيقة أن الحب يبدأ غالبًا بتواضع عميق، بل بانكسار. فالمحب قد يهين كبرياءه ليقترب ممن يحب، وليس بالضرورة أن يُبادله الطرف الآخر الحب. ولو كان التبادل شرطًا، لما سُمّي حبًّا، بل مصلحة متبادلة.
الحب تضحية صافية، وبذل دون حساب.
الحب إخلاص، كما الإيمان إخلاص: قد تصوم أمام الناس، لكن الله وحده يعلم ما تخفيه في سريرتك. كذلك المحب: لا يقاس صدقه بعلانية فعله، بل بصدق إخلاصه في الخفاء.
الحب أن تعيش بين ضدّين:
أن تبوح للعالم بأنك تحب، وفي الوقت نفسه أن تُخفي عن العالم ما تقدّمه لمحبوبك.
فالمحب رابح في كل الأحوال:
إن بادلك الحبيب مشاعرك، سعدت بالوصل.
وإن لم يبادلك، ظلّ حبك شاهدًا على إنسانيتك، ودليلاً على نقاء روحك.
المحب – الحقيقي – يذوب في معشوقه حتى يغدو الخطأ نسبيًّا. فإن أخطأ، اعتذر، وإن أخطأ المحبوب، جعل الذنب من عنده هو لا من عند الآخر.
فالمحب، في جميع الحالات، يرى نفسه مذنبًا أمام محبوبه، لأن التضحية عنده قانون، ولأن العطاء عنده قدر.
ذلك هو الحب:
معاناة الروح، وتنازل الكبرياء، وانتصار القلب.
هو سرٌّ إن ملكك جعل الدنيا أضيق من صدرك، وإن فقدته جعل الصدر أوسع من العالم.
التعليقات