يا وجع قلب الغريبة! ما أبعدها عن أهلها! وما أعظم فراغ فؤادها!

قد كتب عليها فراق عائلتها، فكأن الموت تلقّاها مبكرة، غير أنها لم تمت مرة واحدة، بل تموت في كل مناسبة مرات ومرات، تموت إذا اشتاقت، وتموت إذا احتاجت، وتموت إذا التفتت فلم تر إلا غربتها.

يا لقلبها الصابر، ويا لكبدها التي لم تنفطر! كيف تحتمل ما عجزت عنه احتماله الإبل الصبورة، وما قطّع قلوب الرجال القاسية؟!

لو أنّ للغربة ثقلا لوَزنَ الأطنان الثقيلة، ولو أنها لها حدّا لقطع الجبال العظيمة، فكيف لا تنهار تحته ذات القلب الرؤوم، وأمّ الروح اللطيفة؟

تمضي عليها الليالي والأيام ولم تحضن أمًّا، ولم تشم رائحة أب، ولم تستند على كتف أخ أو أخت.

نيران الغربة تضطرم في أحشائها، وتلتهم روحها، وتحرق مشاعرها، وكيف لنيران الغربة ألا تحرق مَن تشبه الوردة الرقيقة، التي تنتعش بالنسمة العليلة، وتروى بالكلمة اللطيفة.

نارُ لا تزيد مع الأيام إلا تضرما، لا يخبو سعيرها، ولا ينطفئ لهيبها، وقودها الروح والقلب والمشاعر، وماؤها القرب واللقاء وحضن العائلة.