"عقلية الضحية و آلية الهروب من المسؤولية"
من الطبيعي أن يمر الإنسان بتجارب قاسية، مؤلمة، تترك في داخله أثرًا نفسيًا كبيرا . فكلّنا عايشنا لحظات خذلان، فقد، أو صدمات شكّلت جزءًا من وعينا وتاريخنا الشخصي. ولكن بين من يتعامل مع هذه التجارب كجزء من نموّه وتطوره، وبين من يبقى أسيرًا لها، يظهر ما يُعرف "بعقلية الضحية " و هي طريقة تفكير تجعل الشخص يرى نفسه دائمًا في موقع المظلوم، ويعتقد أن ما يحدث له من مواقف أو صعوبات هو نتيجة ظلم أو أذى من الآخرين أو من الظروف، دون أن يعترف بأي دور له في ما يحدث . يتبنى صاحب هذه العقلية دور الضحية بشكل دائم، ويُركّز على الألم والمعاناة بدل البحث عن الحلول أو تحمّل المسؤولية ، فعندما يعتاد الشخص على رؤية نفسه كضحية دائمة للظروف والناس والحياة، يصبح عالقًا في دائرة لا تنتهي من المعاناة، حيث يُعاد إنتاج الألم وتضخيمه، ويُستخدم كعدسة يرى بها كل ما يحدث من حوله. عقلية الضحية تتجلى في التفسير المستمر للأحداث على أنها ظلم مقصود، وفي الإحساس الدائم بالاضطهاد ، والمؤلم أن هذه العقلية قد تنمو بعد أحداث حقيقية مؤلمة لا يتم معالجتها بالشكل الصحي. فالألم غير المعالج يتحول إلى نمط حياة، ويغدو الإنسان متشبثًا بمعاناته لأنها تمنحه شعورًا زائفًا بالأمان أو الاهتمام ، إن تبني هذه العقلية قد يكون بدافع الخوف من التغيير، أو التهرب من المسؤولية، أو طلبًا للتعاطف، لكن مع مرور الوقت يُفقد الإنسان قدرته على رؤية الحلول أو اتخاذ خطوات نحو التحسن. فيعيش محاطًا بجدران من التبرير واللوم والتكرار. ويتضخم الألم حين يتحول إلى قصة يعاد سردها داخليًا كل يوم، وحين يُرفض صاحب هذه العقلية كل حل بحجة "أنا ضحية لما حدث و لست المسؤول عن التغيير "...
الحل الوحيد ليخرج الفرد من هذا النمط، لا بد له أولًا من الاعتراف بوجوده، والوعي بأن ما يعيشه هو تضخيم لمعاناة سابقة. ومن ثم يبدأ بالفصل بين الحدث ورد فعله عليه، ويتحمّل مسؤوليته في تفسير ما جرى، ويبحث عن خيارات جديدة، وربما يلجأ إلى دعم نفسي متخصص يعينه على إعادة بناء تفسيراته ومشاعره...
إنّ التمسك بعقلية الضحية لا يشفي الألم، بل يعمّقه. وفي المقابل، الاعتراف بالألم دون الانغماس فيه يمنح الإنسان قدرة على التعافي، والتخلص من القيود التي تمنعه من المضيّ قدمًا. أما عقلية الضحية، فتُبقي صاحبها في دائرة مغلقة لا مكان فيها للشفاء ولا للنمو.
التعليقات