في البداية… كنت أُشيح بنظري. أراه فأتنهّد، أضحك ساخرًا، إلى أين وصلنا؟. لديّ معايير، ذوق، وربما ذرة خجل.

تمت مواجهتي بالقول، سهلها علينا وعلى نفسك … كلنا أحرار!. وللصدق، العبارة الأخيرة فيها جزء من الصحة، كلٌ يـُحاسب في قبره وحده. مرت الأيام أين توغلت تلك الأفكار داخل عقلي.

نحن نشاهد الكثير من الفيديوهات يوميا، وقد ترى في احداها مقطع فيديو لشخصٍ يصرخ بكلمات لا معنى لها، يرقص كأنه يعاني من تقلّص في العمود الفقري، تحت عنوان أفضل لحظة في التاريخ البشري.

وهذا ما حدث لي، والمثير للاستغراب أن تجد مئات الإعجابات على محتوى مثل هذا. بداية، لم أشارك في الأمر، لكن تلك النظرة الخاطفة ، والتحليل السريع للمعطيات ، وفي محاولة لتبرير ذلك التفاعل وصلت إلى أن الناس تحب العفوية… قررت تركهم وما يفعلون، فان كان ذلك مصدر سعادتهم، فمن أنا لأمنعهم.

ومع كثرة التعرض لهذا النوع من المحتوى، كان الفضول يأخذني لبعضها، وفيديو بعد فيديو، إعتاد سمعي وبصري على مثل هذا المحتوى، بل قد انتقلت الأمور من فيديوهات غريبة… إلى أغانٍ بلا كلمات، إلى ملابس تبدوا كأنها ضحية حادث سير، إلى نجوم يتكلمون بلا أن يتكلموا. وكنت أقول لنفسي كل مرة أن هذا مؤقت… ترند ويمرّ.

لكنه لم يمر، بدأت أخجل من ذوقي. كلما صرحت بالقول عن القبيح أنه قبيح، أقابل بإتهام كوني رجْعِيا، وأنّي ضد ما تمثله الحرية، و أنّي محبٌ للسيطرة ومتعال، فأصبح السكوت سيد رُدودي.

لكن هل اواصل سكوتي، جربت من جانب آخر، حاولت المجاملة فلربما أنا كما يضنون . تفاعلت. ثم كتبت تعليقًا. انتقل من مرحلة إلى أخرى، إلى أن وجدت نفسي في محطة واحمل لافتة تحمل نفس التبريرات التي كنت لا أستوعبها سابقا، فما كنت أراه سخيفًا أصبح فكرة تحوم في عقلي قد تحمل عميقا لو فهمنا الرسالة.

اليوم؟ وصلت لمرحلة، لا أميّز القبح من الجمال. أصبح أي شيء مثيرا للجدل، وفن صادم، وأسلوب جديد.

أصبحت أخاف من التعبير عن حقيقة الأشياء، حتى قول هذا بشع يخيفني أكثر من خوفي من البشاعة نفسها. أنظر إلى المرآة لأواجه إنعكاسي واردد: . "هل تراجعت؟ هل تنازلت؟ أم فقط تطبّعت؟ في إنتظار اجابة من الجماد .

ليرد إنعكاسي بابتسامة واثقة ويقول: "أنت صرت مثلهم… فلا تفسد علينا المتعة."