التلقي أصبح حاسما في اتجاهات بوصلة النشر و"صناعة المحتوى". الذائقة العامة هامة وتحتاج تغذية صافية، أقصد أن نتعهدها منذ نعومة الأظفار بالرعاية والتربية على أساسات الثقافة والفن والأدب والعلم... لتكون لها المناعة الكافية لمقاومة التفاهة، كالجسم السليم الذي يملك نظاما مناعيا يساعد على الوقاية من الأمراض والعدوى ومقاومتها.
التَّلقي واتجاهات بوصلة النشر و"صناعة المحتوى"...
رأيك قيم جدًا، أستاذ عبد الغاني. تنشئة الذائقة العامة على أسس متينة من الثقافة والفن منذ الصغر بالتأكيد تساهم في بناء مناعة فكرية. لكن برأيك، ما هو الدور الأهم الذي يجب أن يلعبه صناع المحتوى اليوم لتوجيه بوصلة التلقي نحو القيم الراقية؟
أعتقد أن ما ذكرته عن التلقي وصناعة المحتوى فعلاً يعكس جزءاً كبيراً من الواقع الذي نعيشه اليوم. فعندما نتحدث عن التلقي، نحن لا نتحدث فقط عن كيفية استقبال المحتوى، بل عن كيفية تأثير هذا المحتوى على تفكيرنا، قيمنا واهتماماتنا. إذا كانت الذائقة العامة مبنية على أسس ثقافية وفكرية سليمة، ستظل قادرة على مقاومة الأفكار السطحية والمواد التي تروج للأشياء غير القيمة.
في وقتنا الحالي، أصبح من الصعب أحيانًا التمييز بين المحتوى المفيد والمحتوى الذي يهدف فقط للترفيه السريع أو استهلاك الوقت. ولكن إذا استطعنا أن نغذي عقولنا بشكل مستمر من خلال الاطلاع على ما هو مفيد ومعرفي، سنتمكن من بناء ذائقة مناعية ضد أي محتوى يفتقر إلى المعنى أو القيمة الحقيقية. في النهاية، كلما كانت التربية والوعي الثقافي أقوى، كان المجتمع قادرًا على تمييز ما هو جدير بالاهتمام وما ليس كذلك.
كيف يمكننا أن نساهم في بناء هذا النوع من الوعي الثقافي في محيطنا اليوم؟
شاهدتُ برنامجًا تلفزيونيًا في تسعينيات القرن الماضي كان يقدم أسئلة ومعلومات عامة للمتجولين في الشارع، وأتذكر بوضوح كيف كانت إجابات الناس وطريقة حديثهم تعكس مستوى ثقافة وذوق عام مختلفين عما نراه اليوم. لا أقول إنهم كانوا أفضل، ولكن يبدو أن "الذوق العام" والثقافة العامة حينها كانت أكثر تماسكًا وجودة.
أظن أن هذا يعود إلى وجود رقابة واعية ونوعية على المحتوى الذي كان يصل إلى الجمهور، وهو ما يصعب تحقيقه اليوم في ظل التدفق الحر وغير المصفّى للمعلومات والمحتويات.
نتعهدها منذ نعومة الأظفار بالرعاية والتربية على أساسات الثقافة والفن والأدب والعلم... لتكون لها المناعة الكافية لمقاومة التفاهة
فكيف يمكن تحقيق هذه المعادلة في عصر المحتوى المفتوح والتحديات الرقمية؟
هي فقط ظاهرة تقديس الماضي أو رؤيته بشكل مثالي ما تجعلنا دائما نقارن بين السابق والآن، أنا أيضا كنت أظن أن الماضي كان أفضل على مستوى الناس كأخلاق وقيم وثقافة ولكن اتضح الأمر أن لكل عصر مساوئه والماضي أيضا الذي نتحدث عنه ملئ بالكوارث فقط لحظه لم تكن هناك تكنولوجيا لتكشفها وتجعل الجميع على دراية بها.
التعليقات