لحياة البشرية كنصف مستقيم نعرف بدايته ولكن نهايته تبقى مجهولة، فحين نحاول رسمه قد يظن الجاهل أن نهايته عند طول معين، أما العاقل فيدرك أن هذا الخط ممتد إلى ما لا نهاية، وحتى لو نفد الحبر أثناء الرسم فإن الامتداد يبقى مفهوماً مطلقاً لا يمكن تغييره، وقبول هذا المفهوم يتطلب وعياً وإيماناً حتى في مواجهة جهلنا بمجرى الحياة وتفاصيلها.

إن تصميم الحياة ورسم مسارها يمثل صراعاً فكرياً مستمراً، فعندما كنا صغاراً كانت أولوياتنا بسيطة وسهلة المنال، كالدراسة أو اللعب، الأمر الذي جعلنا نعتقد أن الحياة سهلة وخالية من التعقيدات، وكنا نرى الحياة خطاً قصيراً ومحدوداً، ولكن مع مرور الوقت ومع تراكم المسؤوليات أدركنا أن الحياة أكثر تعقيداً مما تصورنا.

وأمام هذه التعقيدات، تختلف ردود أفعال الناس:

  • الإنسان الحكيم : يتكيف مع حقائق الحياة، ويعمل على ترتيب الأولويات بناء على قدراته وظروفه الحالية، ويحقق هذا الإنسان نجاحاً نسبياً لأنه يدرك أهمية الموازنة بين الطموحات والظروف المحيطة.
  • الإنسان المستسلم : يفشل في مواجهة تحديات الحياة ويتخلى عن أولوياته، وهذا الاستسلام يقوده إلى حياة مليئة بالفشل مقارنة بالإنسان الحكيم.
  • الشخص المتسرع : يعتقد أن الحكمة تكمن في تخطي مراحل الحياة، ويسعى إلى تحقيق نتائج سريعة، مثل الانتقال من الفقر إلى الغنى دون بذل الجهد اللازم أو استثمار الوقت المطلوب. وقد ينظر هذا الشخص إلى الدراسة أو العمل على أنهما عائقان يستهلكان وقته، مما يدفعه إلى اتخاذ خيارات خاطئة تؤدي إلى خسائر مادية ومعنوية، وربما حتى إلى خسارة حياته.

الحل يكمن في ترتيب الأولويات والتكيف مع الوقت والموارد المتاحة، فالنجاح لا يكون في إنجاز كل شيء دفعة واحدة، بل في التعامل مع الأولويات بالتدريج واحدة تلو الأخرى، وإذا لم تتمكن من حل كل أولوياتك فلا تيأس ما دام "الحبر" لم ينفد بعد، فكل نقطة تضيفها إلى هذا الخط تقربك من طول نصف الخط الذي يعكس حياتك.

ولكن عندما ينفد الحبر فهذه هي النهاية، في تلك اللحظة يتوقف رسم نصف الخط عند طوله النهائي، وينتهي بنفاد الحبر والموت معًا، عند تلك النقطة لن يكون هناك وقت لتلوم نفسك، لأنك ببساطة قد رحلت، كل ما تبقى هو أثر ما خططت له ورسمته في حياتك، لذلك اجعل كل خطوة على هذا الخط ذات معنى ومليئة بالجهد، حتى تصبح حياتك شهادة على سعيك ووعيك.