وقصة ان يكون لنا نصيب في العطاء لا يشترط بالضرورة ان نمتلك سمات محددة حتى يؤذن لنا بالنجاح ،بل لكل انسان بصيرة ورؤية ،ومساحة وافرة من التأمل والتفكير، قد يكون المخترع اميراً، وصاحب الانجاز فلاحاً ، او طفلا صغيرا ، او مسناً او امرأة ، او قد يكون منبوذاً بين اقرانه، او غير مقبول في البيت ،او في المدرسة ـ او قد يكون معاقاً.

     كما قلنا لا يشترط ان نكون كاملا او متكاملا حتى نضيف شيئا للحياة، بل ومن سخريات القدر كما يقولون، ان جل المبدعين والعباقرة والعلماء مروا بمخاض التجربة ومشاريعهم ابصرت النور بعدما خرجوا من رحم الحرمان ،واجتازوا عنق الزجاجة، وابهروا العالم، بالرغم ما يعتور بعضهم من اعاقات !.

     " ان الرجولات الضخمة لا تعرف الا في ميدان الجرأة والمجد والنجاح والانتاج تظل احلاما لذيذة في نفوس اصحابها ، ولاتتحول الى حقائق حية الا اذا نفخ فيها العاملون من روحهم ، ووصلوا في الدنيا من حس وحركة" ..(250 حكمة للشاذلي ص13)

الامير ... البحار

    فالامير البرتغالي "هنري حنا " او "هنري الملاح" (1394 - 1460م). ابن الملك جون الأول والملكة فيليبا، لم يكن ليتوقع ان يقوم بمشروع يطور به علماً ، حيث كان شابًا جادًا مولعًا بالدراسة مع اهتمام خاص بالرياضيات والفلك. وأراد هو وشقيقاه الأكبر منه" دوارتي" و "بدرو" أن يثبتوا أنهم يستحقون الإشادة فقاموا بجملة من الاعمال ولكن لم يتوقع ذلك الامير ان تكون حملة استكشافاته مورداً هاماً لتطور دراسة الجغرافيا، فجعلت البرتغال رائدة في الابحار عبر الدول الاوربية في ذلك الوقت.

     مبادرٍ.. لم يحتفل بانجازه

    ولعل هنري اصبح الهاما للكثير من البحارين من بينهم القبطان البرتغالي "ماجلان فرديناند" (1480؟ ـ 1521م). الذي كان يريد ان تشمله شرف الاسهام الحضاري وكان ذو عقلية فذةٍ، حيث عمل في البلاط الملكي وصيفًا للملكة "ليونور" وعمره حينئذ اثنا عشر عامًا. ، حيث قاد أول حملة قامت بالإبحار حول العالم. فكانت رحلته أول برهان عملي على كروية الأرض. والواقع أن ماجلان لم يَعشْ حتى يكمل رحلته، ولكن تخطيطه المبدع وقيادته الشجاعة جعلا إكمال تلك الرحلة أمرًا ممكنًا. ويعد كثير من العلماء تلك الرحلة من أفضل الأعمال الملاحية في التاريخ.

طفل يتسابق مع الكبار.

   وفكرة ان تكون منتجاً او ان تدير مشروعاً لا تعتمد بالضرورة على المستوى العلمي وطبيعة اهلية العائلة ثقافياً، فالعبقري "سارانج سوميش "الطفل "الهندي" الذي عُدَّ اصغر مخترع في العالم! ، عندما كان مجرد صبي في الرابعة من عمره بدأت مواهبه في الظهور ليثبت صدق حدس والديه، لهذا السبب عندما كان معظم الأطفال في سنه يحصلون على ألعاب كهدايا كان يقدم له والداه أدوات صنع الروبوت ليصبح "سارانج" وهو في عمر الخامسة صاحب العديد من الابتكارات، وهو أيضاً أصغر متحدثي "تيدكس" في العالم، كانت البداية العملية بعدما سئم من رؤية والدته تتصارع مع مكنسة وممسحة كل يوم في منزلهما في كوتشي، إذ ظهر حس الابتكار لدى "سارانج" الذي بدأ يعيد استخدام بعض الأدوات، ويصنع روبوتاً لتنظيف الأرضية. هذا العمل الفذ فتح نافذة لـ "سارانج" إذ حصل على تذكرة إلى وادي السيليكون في الولايات المتحدة عام 2016 للمشاركة في مهرجان «ميكر فير» للاختراع والإبداع.

      حيث رعا الرحلة رأسمالي مغامر في وادي السيليكون ، بدأت اختراعات "سارانج" بتصميم "روبوت تنظيف"، ثم انتقل بعد ذلك إلى تطوير دراجة ثلاثية العجلات الآلية، و"عصا للملاحة اليدوية" و"الرجل الآلي" و"الساعة الرقمية "و"حزام مقعد السيارة الذكي"، وأشياء أخرى ،أحدث ابتكارات "سارانج" كانت حزام الأمان في السيارة الذي ينفصل تلقائياً في حالة نشوب حريق أو حادث، والذي قام بتطويره في عام 2017، وذلك بعدما تأثر بحادث أليم وقع في مدينة ثريسور عندما اشتعلت النيران فجأة في سيارة كانت تسافر إليها عائلة وساعد رب الأسرة الذي كان على العجلات الجميع على الهروب، ولكن لم يتمكن من تخليص نفسه من السيارة المحترقة حيث حشره حزام الأمان.

   امرأة من الشرق 

   وفكرة ان تكون منتجاً لايعتمد ايضاً على كونك رجل او امراة كما اسلفنا ،فهناك الكثير من النساء ابدعن على مدى التاريخ ،فالسوفييتية "فالنتينا تريشكوفا" احداهن، لم تتوقع في صغرها على الاقل بانها ستكون اول امراة تغادر الارض باتجاه الفضاء ، وكانت سابقاً مدنية مُتدربة على الهبوط بالمظلات. استطاعت فالنتينا الدخول إلى المدار في 16 يونيو عام 1963 على متن مركبة الفضاء السوفيتية فوستوك 6، واصبحت حديث العالم ومصدر فخر لبني جنسها.

الحرمان .. ولّد ابتكاراً

وفكرة ان تكون منتجا لا يعمتد بالضرورة على السلامة الجسدية والصحة الكاملة ، لاننا لا ننسى الاديب العبقري " مصطفى صادق الرافعي" الذي جعله المرض المبكر يفقده حاسة السمع مصطفى صادق الرافعي من مواليد يناير سنة 1880 ، دخل الرافعي المدرسة الابتدائية في دمنهور حيث كان والده قاضيا بها، وحصل على الشهادة الابتدائية بتفوق ثم أصيب بمرض يقال أنه التيفود أقعده عدة شهور في سريره وخرج من هذا المرض مصابًا في أذنيه، واشتد به المرض حتى فقد سمعه نهائيا في الثلاثين من عمره.

     لم يحصل الرافعي في تعليمه النظامي على أكثر من الشهادة الابتدائية، مثله مثل العقاد في تعليمه، فكلاهما لم يحصل على شهادة غير الشهادة الابتدائية. 

     كان الرافعي صاحب عاهة دائمة هي فقدان السمع، ومع ذلك فقد كان الرافعي من أصحاب الإرادة الحازمة القوية فلم يعبأ بالعقبات، وإنما اشتد عزمه وأخذ نفسه بالجد والاجتهاد، وتعلم على يد والده وكان أكثر عمل عائلته في القضاء. ننسى 

اقرأ فحتى المكفوفين يقرأون      

وننتقل الى عبقري اخر لم تنمعه انعدام حاسة البصرمن الابداع انه "ويس بريل" 1809-1852م الموسيقي والمعلم الفرنسي، الذي فقد بصره في سن الثالثة من العمر مما دفعه إلى اختراع طريقة للكتابة وهي طريقة بريل. اذ تعتمد هذه الطريقة على تحويل الحروف الأبجدية والأرقام إلى نقاط بارزة يمكن قراءتها عن طريق اللمس. أعتبر اختراعه أعظم إسهام للمكفوفين الذين فقدوا بصرهم. 

 ابطال سكك الحديد

   وايضا كونك صاحب اسهامات لايشترط بالضرورة ان تكون متعلماً فـ "جورج ستيفنسون " المخترع إنجليزي الذي ولد في عام 1781م ولم يدخل المدرسة في بداية حياته لأن أبويه كانا فقيرين جدا. نجح في عام 1821م مع ابنه روبرت في بناء أول سكة قطار عالمية لنقل الركاب والبضائع وتم إفتتاحها27 سبتمبر1825م أصبح مشهورا في العالم وأصبحت الدول الأخرى تطلب منه تمديد الخطوط في عدة بلدان من أوربا والولايات المتحدة الأمريكية . توفي عام 1848م تاركا خلفه ثروة تقدر بمائة وأربعين ألف جنيه إسترليني وهو مبلغ كبير آنذاك.

اعطني خبزا اهديك كتابا

و"اولفا سكوروكودوفا" صاحبة كتاب "كيف ادرك العالم" اتمنى ان يقرأه كل باحث عن النجاح.. قصة حياة لأقسى مَوَاطِنِ الحياة ضعفا وشدةً وقساوةً لطفلة عمياء ضعيفة السمع معدومة الحيلة في بيت بارد خال من العواطف الاسرية واب مفقود وام تحتضر، طريحة الفراش ذلك البيت مجرد من القوت والطعام "لاحبة قمح او بذرة بطاطا" ثم اتجهت لرسم الطموح والاصرار على البقاء مع العطاء تكافح وتسافر هنا وهناك وتنتقل من وحدة الى اخرى ومن مستشفى الى اخرى، وخلال مسيرتها حظيت باهتمام الناس المحتكين بها من اطباء واصدقاء وجيران ،ثم ما ان شعرت بالاستقرار بدأت تتعلم مهارات التواصل وتقويها سعيا لفهم اكبر واستيعاب لمفردات الحياة حتى بدات تتوجه نحو حلم الطفولة التي كانت تحلم بها من اعوام وهو تاليف هذا الكتاب " كيف ادرك العالم"

    لو اردت ان تكون منتجاً في حياتك ، وقادتك ارادتك بشغف ، وخيالك اصبح ملتهبا بالافكار ،وعشت يقضاً بالمسؤولية المترتبة تجاهك وكل من حولك.. فان الله حتما سيهبك شيئاً تفتخر به ويستحق ان تحيى لاجله .. يؤتِ الحكمة من يشاء ومن يؤتَ الحكمة فقد اوتيَ خيرا كثيراً

الرجل العنكبوت ..النسخة الواقعية

      هناك هوايات او رياضات اشبه بالمجازفة اوالانتحار الا ان عشق التميز ربما قاد المتسلق الرهيب "آلان روبير" الملقب بـ "السبايدرمان الفرنسي" من دون اي حبل اعلى ناطحة سحاب في فرنسا وهي برج "فيرست" (231 مترا) الواقع في حي ديفانس للاعمال (قرب باريس)، و"روبير" البالغ (49 عاما) معروف بتسلقه ابنية في المدن من دون ترخيص وغالبا ما تعمد الشرطة الى توقيفه، وقد تسلق سبايدر مان الفرنسي الامتار الاخيرة من البرج وسط تصفيق مئات الاشخاص الذين حضروا انجازه الجديد الذي نفذه تحت سماء ملبدة بالغيوم ومع هواء قوي احياناً، وكان "روبير" يتخوف قليلا من تسلق هذا البرج مع انه سبق ان تسلق اكثر من مئة ناطحة سحاب ونصب في العالم، وقال "هذا البرج ليس بالسهل بكل صراحة، فبنيتها معقدة ويمكن الانزلاق عليها" قبل ان يبدأ تسلقه على قسطل غاز، واضاف الرجل القصير القامة (1،65 متر ووزنه 50 كيلوغراما) "اشعر دائما بالخوف لكنه خوف مسيطر عليه" داحضا فكرة انه "انتحاري"، وهو يعشق التسلق منذ صغره وقد تسلق خصوصا برج خليفة في دبي (828 مترا) في اذار/مارس 2011 وفندق الشعلة في الدوحة في 12 نيسان/ابريل وهو على شكل شعلة اولمبية يبلغ ارتفاعه 318 متر، ومن اجل تسلق برج خليفة المصنوع من الزجاج والاسمنت استخدم روبير حبال سلامة بطلب من المنظمين، ورغم انجازاته يعاني الان روبير للمفارقة من الدوار بسبب مشكلة في اذنه الداخلية.