بسم الله الرحمن الرحيم

الانتخابات في الغرب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

يبدو وكأن الانتخابات الغربية تهتم في جذب أكثر الأصوات أكثر من اهتمامها بأي شيء آخر، وأكثر من اهتمامها بالسياسات التي يريدون المرشّحين انتهاجها. وقد يميل المرشّحين إلى الجريان مع التيار أيّاً كانت وجهته وأيّاً كانت الوعود التي وعدوا بها جماهيرهم لينتخبوهم، ولكن بمجرد أن يفوزوا في الانتخابات فإن  في كثير من الأحيان قد يخلف الفائز بالكثير من الوعود التي وعد بها الجماهير والناخبين، وإن لم يكن معظم الفائزين أو المرشحين يخلفون بوعودهم، كما إنهم قد لا يخلفون بمعظم وعودهم، ولكن بعض هذه الوعود قد تكون مهمة للغاية لدى شريحة من الجماهير أو الناخبين، وقد تكون السبب الرئيسي في انتخابهم مرشّح معيّن، فتجاهل هذه الوعود وعدم تحقيقها قد يكون مُسيئاً جداً في حق شريحة كبيرة وثقت بهذا المرشّح أو ذاك.

وقد يبدأ الفائز أحياناً بالعمل بطريقته الخاصّة دون الالتفات في كثير من الأحيان لأي شيء آخر، سواءً كانت وعوده التي وعد بها ناخبيه أو آمال الشعب في أن يحدث تغيير مهم لهم ولحياتهم، وكثيراً ما تكون توجهات الفائزين في الانتخابات هي متشابهة كثيراً لمن سبقهم دون تغيير كبير، خاصّة في الأمور المهمّة، فقد لا يهم ما هو حزب الفائز في الانتخابات ومن هو المرشّح الفائز وما هو برنامجه الانتخابي، فغالباً لن يتغيّر الكثير في سياسات الدولة وستبقى في معظمها مشابهة إلى حدٍّ كبير لما سبقها من سياسات الرؤساء السابقين وحكوماتهم. ولكن كان هناك من وعَد بالعظيم، وأنجز بالفعل وعده العظيم كالرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي وعَد بسحب القوات الأمريكية من العراق وأنجز بالفعل جزءاً كبيراً من هذا الوعد وبقي جزءً صغيراً من القوات الأمريكية في العراق قد يكون من مهامها تدريب القوات العراقية، أو شيء من هذا القبيل، ولكن الكثير من العراقيين يرونها كقوات احتلال، كما أنه قد ذُكر في الأخبار أن القوات الأمريكية قامت مؤخراً بمهاجمة مواقع عراقية عسكرية، فقد لا يكون تواجد القوات الأمريكية المحدود في العراق مجرّد دعم للقوات العراقية بل قد يكون لها أهداف أخرى، ولكن قد يكون العراق استطاع التحرر من معظم الاحتلال الأمريكي وقواته، ولم يبقى لديه سوى القليل قد يمكنه التخلّص منهم قريباً إن شاء الله. وقد يكون هناك من أمثال أوباما يظهرون بين الفينة والأخرى في الغرب ليفعلوا العجَب ويُنجزوا بعض وعودهم العظيمة الحسَنة والطيّبة دون أن يُبالوا بأي شيء آخر.

فيبدو أن طبيعة الانتخابات في الغرب مبنيةً أساساً على الحاضر وتوجهات الحاضر وإرضاء الناخبين أيّاً كانت ميول الجماهير ورغباتهم، وبالمقابل ينظروا الجماهير إلى المرشّحين الفائزين بنظرة المصالح الحالية والتوجّهات العامّة في الحاضر. ولكن في كثير من الأحيان عندما ينظروا الجماهير إلى الماضي فهم قد يقدّرون أكثر ما يقدّرون وقفات الرؤساء الأخلاقية وتمسّكهم بمبادئهم وقيمهم وإن كانت تُخالف رغبات معاصريهم من جماهير وسياسيين، وهؤلاء الرؤساء هم من قد تنظر لهم الجماهير في المستقبل وينظر إليهم التاريخ على أنهم أبطال وطنيين، أما الذين خضعوا لضغوط الشارع وضغوط السياسيين والحكومات، للقيام بأمور غير أخلاقية أو في غير مصلحة الدولة والشعب في المدى البعيد، كدعم الطغاة أو شن الحروب الظالمة أو دعم الدول المجرمة في حروبها الظالمة والجائرة، فهم الذين قد ينظر إليهم الشعب في المستقبل بلا اكتراث بل وقد يزدريهم في بعض الأحيان، وغالباً ما يكونوا الرؤساء السابحين مع التيّار أشبه بممثلين لا وزن لآرائهم ومواقفهم التي كثيراً ما تتشكّل فقط لأجل إرضاء الجماهير وللفوز في الانتخابات التالية وللبقاء أطول فترة ممكنة في مناصبهم لحين انتهاء مدّة رئاستهم.

ولكن الرؤساء الذين تمسّكوا بمواقفهم وآراءهم النبيلة والذين تمسّكوا بالأخلاق العالية وبمبادئهم وقيمهم الحسَنة والطيّبة، لينشؤوا طرقاً جديدة خيّرة لم يسبق لأحد من أمتهم أن أنشئ مثلها، فهؤلاء هم الذين قد يُخلّدوا في نفوس أفراد أمتهم لأجيال متتابعة والذين قد يُنهضوا بمشاعر الخير في نفوس شعوبهم والأجيال القادمة من شعوبهم، فيقوموا البعض باقتفاء آثارهم وإكمال ما توقفوا عنده من خير مما يشجّعهم على أن يُنشؤوا هم أيضاً طرق الخير الخاصّة بهم ليضيفوها إلى أمتهم لتقتفي هذه الأمّة آثارهم أيضاً في الأجيال القادمة، أما الذين استسلموا لرغبات شعوبهم وميولهم الخاطئة والفاسدة والظالمة، هم الذين إن لم يتبرّئوا منهم الأجيال القادمة فإنهم قد لا يهتموا ولا يكترثون بهم إلّا كاكتراثهم بدور بطل ما في فيلم ما لا غير.

وفي الختام من أراد من الرؤساء والمرشّحين أن ينفعوا أمتهم وينشؤوا أمامهم طرق الخير فلهم أن يتمسّكوا بالأخلاق والقيم والمبادئ الحسَنة ولهم أن يحتالوا بكل الطرق الممكنة للتمسّك بها وفِعل الأمور العظيمة التي ترضي الله سبحانه وتعالى والتي قد تجلب الخير العظيم للأجيال القادمة من أمتهم، رغم إنه قد يراها معاصريهم من شعوبهم ضعفاً أو إهانةً لأمتهم، ولكنها قد تجلب لهذه الأمة خيراً عظيماً في المستقبَل وتعطي الأجيال القادمة دُفعة تشجيع ليقتدوا بخير أسلافهم ويُكملوه، بدل المحاولات البائسة للحصول على أعلى المناصب والمحافظة عليها ثم وبعد انتهاء ولايتهم أو رئاستهم يكتشفوا الجميع بأنهم لم يُضيفوا أي شيء حقيقي للأمة... هذا والله أعلم.