لقد عاشت أوروبا في القرون الوسطى تحت طغيان وهيمنة رجال الدين المتمثلين بقساوسة الكنيسة، وفساد المجتمع واستغلال الدين لتحقيق أهواء وأمور نفعية خاصة على ظهور العامة. لم تشمل تلك الهيمنة الدين فقط بل حتى النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وإن رجعنا للدين فكانت الأوامر الشرعيّة كُلّها من تشريعِ الباباوات والقساوسة (رجال الدين) ففرضوا بطغيانهم المدعوم من جهل النّاس بالدين النصرانيّ المحرّف، ذو العقيدة الهشّة. لقد قامت الكنيسة في ذلك الوقت بتنصيب إله يحلّ ويحرّم ويُشرّع ويقضي، وليس لأحد حقّ الاعتراض على أوامره، وإن حدث فالعقوبة تنتظره والتكفير كذلك. فأصبح الحرام حلال والحلال حرام، وأضافت الكنيسة إلى عقيدة التثليث عقائد وآراء أخرى نحو: التعميد، والعشاء الربانيّ، وتقديس الصليب، وعقيدة الخطيئة الموروثة، وصُكوك الغفران، والحرمان والاعتراف، فكان على المذنب أن يعترف بذنبه في خلوة مع قسيسه؛ ليستطيع هذا القسيس أن يغفر له ذنبه.

حتى أنها حاربت العلم واحتكرت المادة، فحكم على جاليليو الذي قال بدوران الأرض، حُكم عليه سبعة كرادلة بالسجن، وفرضوا عليه تلاوة مزامير الندم السبعة مرة كل أسبوع طوال ثلاث سنوات، ولما خاف جاليليو من المصير الذي انتهى إليه برونو، أعلن توبته ورجوعه عن رأيه، وركع أمام رئيس المحكمة قائلاً: "أنا جاليليو وقد بلغت السبعين من عمري، سجين راكع أمام فخامتك، والكتاب المقدس أمامي ألمسه بيدي، أرفض وألعن وأحتقر القول الإلحادي المخطئ بدوران الأرض". وبعدها نشأت العَلمانية وهي مشتقة من كلمة العالَم بمعنى الدنيا وهي الترجمة العربية لكلمة Secularism التي تعرفها دائرة المعارف البريطانية بأنها حركة تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالدنيا (فصل الأرض عن السماء) وقد تطورت لتصبح حركة مضادة للدين والمسيحية خاصة. فالعلمانية تدعو الى فكّ الارتباط بين الارض والسماء، وتحرير السياسة المدنية من القيم الدينية.

إن لانتشار العلمانية عواقب وخيمة، فقد ساهمت العلمانية في أوروبا على نشر الإلحاد وأغلب المسيحين هم متمردون أخلاقياً على تعاليم دينهم، وقد نزعت العلمانية تلك القداسة التي تعرفها الأسرة فانهارت القيم الأخلاقية وانتشر الشذوذ الجنسي (زواج المثليين). وكذلك قلة الإنجاب تزامنت مع ارتفاع نسبة الوفيات، ما يعني أن أوروبا أصبحت دور مسنين، وقد عبر القسيس وعالم الاجتماع الالماني جوتفرايد كونزلن عن هذا التغيير بقوله: (لقد مثلت العلمنة: تراجع السلطة المسيحية، وضياع أهميتها الدينية، وتحول معتقدات المسيحية إلى مفاهيم دنيوية، والفصل النهائي بين المعتقدات الدينية والحقوق المدنية، وسيادة مبدأ دين بلا سياسة وسياسة بلا دين). مع كل الذي صنعته العلمانية بالمسيحة والمسيحيين في أوروبا، وكونها لا تصلح لأن تكون نظام حكم في العالم الاسلامي، لا يزال البعض يدعون الأمة الى هذا النظام السفسطائي، الذي يسمى تنوير وما هو إلا داء فتّاك، يجعل الإنسان أقرب للحيوان منه إلى الله. خلاصة الأمر أن العلمانية ظهرت في أوروبا نتيجة ظلم وحكر رجال الدين للدين والجور به والطغيان به، أي أن العَلمانية كانت ثورة ضد الكنيسة المسيحية والقساوسة والباباوات (رجال الدين)، وكل هذا لا يوجد في الدين الاسلامي، الأفضل أن ندعو لتطبيق شعائر الله التي تكاد أن تنتفي انتفاء يجعل للجريمة أن تجد أرضاً تولد فيه وتنتشر.