بسم الله الرحمن الرحيم

حرية الرأي والتعبير في الغرب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

لقد أظهر طوفان الأقصى الذي شنّته حماس والحركات الفلسطينية المسلحة وما تبعه من حرب غزّة أمراً لم يكن الكثير يتوقّعه، وهو رفض الغرب لأي تأييد لفلسطين، ومنع أي مظاهرات تضامن مع الفلسطينيين، في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تحاصر غزة وتمنع عنها كل شيء حتى الماء وتقصفها بالصواريخ وبالغارات الجوية بكثافة شديدة.

 وهدد الاتحاد الأوروبي منصة إكس، لتركها المستخدمين يبدون آرائهم بحرية لما يحدث في فلسطين، وكأنه يعتبر أي تضامن مع الفلسطينيين نوع من الإرهاب، ولم يعتبر الاتحاد الأوروبي لأي قوانين حرية الرأي والتعبير التي كان يتفاخر بها الغرب أمام الجميع، والتي كانت السبب الرئيسي لسماح السويد والدول الغربية بحرق القرآن مراراً بحجّة اعتمادهم حرية الرأي والتعبير، حيث بدى وكأن قانون حرية الرأي والتعبير لا يمكن المساس به أبداً، ولكن عندما أصبحت حرية الرأي في مواجهة مباشرة مع إسرائيل قام الاتحاد الأوروبي بالرمي بها في عرض الحائط من دون لحظة تردد، وانتهت بهذه البساطة قضية حرية الرأي والتعبير وكأنها لم تكن، ومن بعد أن رفعها الغرب إلى الأعالي قبل طوفان الأقصى بأيام معدودة، أثناء ظاهرة حرق القرآن، أنزلها الغرب إلى قاع الحضيض في طرفة عين أثناء طوفان الأقصى وحرب غزّة، ولم يعد لها أي وزن أو أهمية.

وإن كان قد ذكرت الجزيرة نت بأن السويد قد طردت حارق القرآن من السويد، فنرجو أن تبدأ السويد ومعها الغرب في التوازن بين مواقفهم بشأن حرية التعبير، ولا يضعوا ثقلهم كله على جانب دون آخر، فيتطرفون فيه ويتشبّثون به بينما العالم ينهدم فوقهم. فيجب تعديل قوانين حرية الرأي والتعبير بحيث لا تُستخدم في إيذاء حوالي ملياريْن مسلم في كتابهم المقدس، بأن يتم حرقه وتمزيقه، بحجّة حرية التعبير. ولكن ذلك لا يعني أيضاً أن يتحوّل الغرب إلى الاستبداد والدكتاتورية فلا يسمح بأي رأي يُخالف توجهاته، كما نرى الآن أثناء أحداث طوفان الأقصى وحرب غزّة.

وخضوع منصّة إكس أمام التهديد الأوروبي لفرض رقابة على آراء الناس في منصّة إكس، يجعلنا نفكر إن كان هناك أي فرق حقيقي بين شعوب الشرق حيث الاستبداد ظاهر والديكتاتورية تمنع أي نوع من حرية التعبير، وخضوع الشعوب الشرقية لهذه الرقابة، وبين الشعوب الغربية، فكلاهما في النهاية خضع للاستبداد والديكتاتورية من حكوماتهم، مما يثير التساؤل إن كانت الشعوب الغربية قد حصلت بالفعل على حريتها كما يدّعي الغرب، أم إن الحرية قد فُرضت على الغرب شعوباً وحكومات. فإن كان الأمر كذلك فلماذا لم يحاول الغرب فرض هذه الحرية المزعومة على غير الغرب؟ أم إن لها أسباب معيّنة جعلتها حكراً على الغرب، وهل محاولة الغرب للتمسّك بذريعة الحرية وحرية الرأي والتعبير هي للتلويح بها في وجوه الشعوب الأخرى، لإظهار شيء من التفوق عليهم؟ وهل يعني ذلك أنه ليس هناك أي شيء يمكن أن يفرض على الغرب التمسّك بالحرية إذا ما وقفت الحرية في وجه المصالح الغربية؟

وهل هذا يعني أن كل الحرية التي ينادي بها الغرب والتي يتصنّع التمسك بها ما هي إلى تمثيلية وخرافة لا وجود حقيقي لها أو ليس لها أي وزن؟

لقد رأينا أو تمّ إيهامنا أن حرية الرأي والتعبير لا يمكن للغرب أن يفرّط فيها أبداً ولقد رأينا ذلك مع تكرار حرق القرآن في السويد وأوروبا، حيث تمسّك الغرب بحرية الرأي والتعبير، حتى لو جرّت عداوة جميع المسلمين من دول وشعوب. ولكن مع طوفان الأقصى سقط قناع الغرب وكُشفت الحقيقة، حيث أصبحت حرية الرأي والتعبير يكاد الغرب أن يجرّمها، عندما تم استخدامها بخلاف ما يريد الغرب، بل وصل الأمر لتهديد منصة إكس من قِبل الاتحاد الأوروبي، على سماحه بحرية الرأي والتعبير، عندما تم استخدامها ضد إسرائيل. لقد ظهرت جلياً قيمة حرية الرأي والتعبير لدى الغرب فقد كانت في الحقيقة لا تزن شيئاً، وليس لها أي قيمة لدى الغرب، بل كاد الغرب أن يجرّمها. وتحوّل الغرب فجأة بسبب طوفان الأقصى وحرب غزّة إلى الاستبداد والدكتاتورية التي لن تسمح بأي رأي يخالفها.

وفي الختام يبدو أنه ليس هناك أي حرية حقيقية لا في الشرق ولا حتى في الغرب، وإنما هي فقط ذريعة الغرب لمهاجمة الشعوب والدول والثقافات والحضارات الأخرى وازدراءهم كمحاولة لإظهار تفوّق غربي على الشعوب الأخرى، وإظهار أنفسهم كمنبر للحقيقة وكأرض الحرية في وسط الاستبداد والظلمات، ولكن الحقيقة هو أن الغرب لا يزال يقبع في ظلماته وما مظاهر الديمقراطية والحرية إلّا خيال ووهم... هذا والله أعلم.