بسم الله الرحمن الرحيم

القراءة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

إن للقراءة فوائد كثيرة ومحاسن عظيمة، فمنها تعميق التفكير والابتعاد عن السطحية، ومنها تزيين المجالس بأجمل الأحاديث وأحسنها. ومن فوائد القراءة هي قدرتها الاستثنائية على إبعاد الملل والتعب، حيث إن قام أحدهم بعمل ما وأخذ لنفسه بين فترة وأخرى راحة قصيرة أثناء العمل واستغلها بالقراءة ثم العوْدة إلى عمله، فإنه قد يجد نفسه وقد أصبح قادراً على مواصلة عمله لفترات أطول مما كان معتاد، وقد يجد أن الملل الذي كان يثقل عليه أثناء العمل قد تلاشى جزء كبير منه، وإن عاوده الملل فإنه قد لا يعبأ به لعلمه أنه سيعود للقراءة بعد قليل ليُزيل عنه الملل وليعود للاستمتاع بما كان يقرأه، وقد يكون من شأن هذه الطريقة أن تزيد من حب الإنسان للقراءة وتزيد من شغفه بها.

ويبدو أن القراءة تقلل كثيراً من الإجهاد وتُعيد للمرء بعض نشاطه مما يمكّنه من مواصلة العمل لفترات طويلة إذا تخلل فترات عمله فترات راحة قصيرة يستغلها المرء في القراءة، كما إنه قد يكون من شأن القراءة حتى إذا كانت لفترات قصيرة أن تُخفف التوتر وتُعيد للإنسان حيويته وتُخفف من ثقل فترات الانتظار. وقد تعطي القراءة الإنسان شيء من الهدوء وطول البال وتُخفف لديه الشعور بالانزعاج والضيق. فمن كان لديه كتاب بحوزته يحمله أينما ذهب في العمل أو في التسوّق مع أهله أو في الحافلات وسيارات الأجرة، فإنه على الأغلب لن يشعر بضيق شديد مع أي مهام جديدة أو طارئة في العمل وما قد تتسبب به من أوقات طويلة أو متقطّعة من الانتظار، لأنه قد يجلس بكل بساطة ويفتح كتابه ليقرأ ويستمتع بهذا الوقت بما يقرأه أثناء انتظاره للبدء في مهامه الجديدة، أو إن أطالوا أهله في التسوّق فلن يُبالي كثيراً لأن لديه كتابه يمكنه أن يبدأ في القراءة فيه إن شاء حتى ينتهوا من التسوّق، وإن كان المرء في الحافلة أو سيارة الأجرة وكانت الطرقات مزدحمة فله أن يبدأ في القراءة فقد لا يشعر بالكثير من الانزعاج مع القراءة وقد لا يشعر إلّا وهو قد وصل إلى وجهته وقد أخذته القراءة في عالم آخر ومضى الوقت دون أن يشعر به.

ويبدو أن من فوائد القراءة أنها تبطّئ من علامات الشيخوخة وتحمي من الزهايمر، وقد يكون ذلك بسبب نشاط الذهن المستمر مع قراءة مختلف الكتب مما قد يساعد على منع الخمول عنه، فقد يكون كما إن الجسد يحتفظ بقوته وصحته مع ممارسة الرياضة، فإن الذهن يحافظ على لياقته وصحته وقوّته مع ممارسة القراءة. كما إن القراءة قد تزيد وتحسّن من ذاكرة الإنسان فتحميه من الخرف مع التقدّم في السن أو قد تأخّر علامات الخرف لعدة سنوات أخرى.

وقد تكون القراءة عاملاً مهماً لزيادة الذكاء لدى الأطفال وذلك قد يكون بسبب تنشيطها لذهن الطفل بالتفكير والتخيّل وتساعده على التساؤل وسؤال البالغين عما لا يفهمه فقد يحصل منهم على الأجوبة والشروحات التي قد تساعده على تنمية عقله. وللمرء أن يشجّع أطفاله على القراءة في سن مبكرة لتتشكّل لديهم عادة القراءة وتترسّخ وتكبر معهم لتلازمهم طيلة حياتهم إن شاء الله.

ومن فوائد القراءة هي إنها تُطلع الآخرين على خلاصة أفكار العلماء وتلخيص سنين طويلة من خبراتهم وعلومهم في مجالاتهم، في أيام معدودة من قراءة كتبهم، فالكثير من الكتب التي نقرأها هي خلاصة فهم العلماء للعلوم والمجالات التي يدرسونها ويعملون فيها، وهذا يعني أن بإمكان بعض الكتب أن تضيف إلى أعمارنا عشرات السنين من أعمار العلماء التي قضوها في الدراسة والتمحيص في العلوم المختلفة، وذلك في غضون عدة أيام فقط.

وبإمكان القراءة أن تنمّي من ذاتنا إذا اعتمدنا التفكير النقدي أثناء قراءتنا لمختلف الكتب، فتُحسّن مما لدينا من قيم ومبادئ وأفكار وتثبّت الصالح منها وتزيده رسوخاً وتُصلح الفاسد منها أو تستبعده نهائياً، فتندمج قيمنا ومبادئنا وأفكارنا مع قيم ومبادئ وأفكار مؤلفي الكتب، لنخرج بعد ذلك بمبادئ وقيم وأفكار أكثر تطوراً وأكثر اكتمالاً وعُمقاً وأكثر مناسبةً لنا.

ومن فوائد القراءة هي مساعدة الإنسان على التركيز فكلما حاول المرء أن يركّز أثناء القراءة كلما تحسّن تركيزه واستطاع أن يركّز أكثر على المعلومات التي يقرأها، ومع استمرار المرء في عادة القراءة قد يجد أن تركيزه يزداد تحسناً مع الوقت، حتى قد يجد المرء بأن الكتاب الذي قرأه قبل عدة سنوات ولم يفهم منه سوى القليل جداً، فقد يجد أن قراءته مرة أخرى بعد عدة سنوات من ممارسة القراءة قد فهم منها أكثر بكثير مما فهمه من قراءته للكتاب أول مرة، وذلك قد يكون بسبب تراكم المعرفة لدى الإنسان فاستطاع أن يربط بين الكثير من المعلومات التي قرأها في السابق وبسبب تحسّن تركيزه تحسناً كبيراً عما كان في السابق.

وقد يكون من فوائد القراءة هي مساعدة الآخرين على تجاوز الاكتئاب حيث عندما يقرأ المكتئب ويركّز قليلاً فيما يقرأه فقد ينسى أثناء القراءة ولبعض الوقت أسباب اكتئابه ويتغيّر مزاجه قليلاً، وعندما يستمر المكتئب في عادة القراءة ويزيد من تركيزه مع كل كتاب فإنه قد يبدأ بنسيان أسباب الاكتئاب لفترات أطول بسبب انشغال فكره وذهنه في القضايا المختلفة التي يقرأ عنها ويبدأ ينشرح صدره ويتغيّر مزاجه وقد يتجاوز مرحلة الاكتئاب والمشاعر السلبية المرتبطة به.

وقد تساعد القراءة في فهم الآخرين خاصّة الأجانب منهم، حيث قد يتساءل البعض عن سبب اتّباع بعض الشعوب لعادات معيّنة، فمع قراءة كتب مؤلفين من تلك الشعوب قد يستطيع المرء أن يفهم سبب بعض تلك العادات الغريبة عنه، ويبدأ بفهم طريقة تفكير الشعوب الأخرى، وبالتالي سيتمكّن المرء من التواصل مع أفراد تلك الشعوب بطريقة أحسن ويبدأ يفهم وجهات نظرهم وعاداتهم وتقاليدهم عن طريق قراءة تاريخهم وقراءة كتب مؤلفيهم وكتّابهم.

وعندما يقرأ المرء كتاباً ما فإنه قد يعيش معه وكأنه هناك في أحداث الكتاب، فيفكر ببعض أفكار الشخصيات التي في الكتاب وقد يشعر ببعض مشاعرهم، وقد يتساءل المرء بينه وبين نفسه كيف كان سيتصرّف إذا كان مكان تلك الشخصيات، فله أن يأخذ ما صدر من صواب من تصرفات الشخصيات فيتقبّله ويستحسنه، فيُصبح من السهل عليه التصرّف بمثل ما تصرفوا الشخصيات من صواب، وما يرفضه من تصرفاتهم له أن يستبعده ويستنكره فيحصل على شيء من المناعة أو الامتناع عن التصرّف بمثل التصرفات الخاطئة للشخصيات التي قرأ عنها، وحينها سيجد نفسه المرء وكأنه أثناء القراءة كان يعيش حياة شخص آخر ويعيش تجاربه رغم إنه لم يتحرّك من مكانه.

وقد تساعد القراءة في أن تجعل القارئ أكثر جاذبية في نظر الآخرين وتجعلهم يشعرون بالمتعة عند التواصل أو الجلوس معه، فقد يبدأ القارئ يروي لجلسائه غرائب وأعاجيب ما قرأ، فيأخذهم في أحاديثه إلى عوالم قد يكونوا لم يسمعوا عنها من قبل.

وقد تزيد القراءة من إبداع المرء حيث عندما يقرأ المرء عن فكرة أو شيء ما فإنه قد يقرأ عنها من عدة جوانب وينظر إليها من عدّة زوايا، فقد يربط حينها بينها وبين أمور وأفكار أخرى وقد يحاول أن يجعلها متناسقة وحسَنَة البناء فيخرج بفكرة جديدة قد تم تشكيلها بدمج عدة أفكار ببعضها، وذلك عن طريق سعة الاطّلاع وتراكم المعرفة وهو الذي قد تحققه القراءة للمرء.

إن القراءة قد تكون من أفضل الهوايات التي يمكن للمرء أن يتّخذها لنفسه فهي تنمّي الذات وتُحسّن حياة الإنسان من معظم جوانبها، وتستطيع القراءة أن تنقل الإنسان لأي مكان وتعرّفه على مختلف الثقافات والعصور عن طريق الكتب دون أن يتحرّك من مكانه، وقد تستطيع الكتب أن تُثير مشاعر المرء المختلفة بأن تسافر به إلى عقول الآخرين ومشاعرهم... هذا والله أعلم. 

المصادر:-

1-       موقع (ويب طب).

2-       موقع (الزنبق).