صراع الأسرة – العمل : التوازن المستحيل، بين دفءالأسرة، و طموح العمل.

هل سبق وواجهتم أنتم أنفسكم أو أحد أفراد عائلتكم صراعا بين العمل والأسرة؟ كيف أثر ذلك على حياتكم اليومية وعلاقاتكم الشخصية؟ هل تعتقدون أن هناك حلاًيمكن تبنيه للتوفيق بين الحياة المهنية والأسرية بشكل مثالي؟

أعتقد أن فكرة الموازنة بحد ذاتها صعبة التطبيق بشكل تام، فلابد أن تميل الكفة في بعض الأحيان إلى أحد الجهات، وأحياناً رغماً عنّا، على سبيل المثال، عند مرض أحد أفراد العائلة أو التعرض لأي ظرف عائلي قاهر ستجد الكفة تلقائياً تميل إلى جهة الأسرة وسيؤدي ذلك إلى حدوث بعض التقصير في العمل، الأمر عينه مع العمل مثلاً في حالة اقتراب موعد تسليم مشروع مهم أو عقد صفقة جديدة سيتوجه التركيز نحو العمل وقد يحدث تقصير في الجانب الأسري لذلك أعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك "خطة تعويض" يتم اللجوء إليها في مثل هذه الحالات التي لا تتحقق فيها موازنة عادلة بين الكفّتين.

عن نفسي، أنا مؤمن أنه لا يمكن لآحد أن يحصل على كل شئ، فمن اجل ادراك غاية معينة، يجب التضحية بشئ مقابلها. وبالتالي، فمن يطمح للوصول لمستوى عالي وظيفيا سيضطر قسرا أن يتنازل عن بعض الوقت الذي يقضيه مع أهله وعائلته. وباختلاف طباع البشر تختلف اولوياتهم، فهناك من يولي العمل المركز الأول من حيث الاهتمام ثم تأتي بعده الحياة الأسرية والاجتماعية وهناك من يرى العكس تماما.

لقد واجهت صعوبة في بداية حياتي العملية في تحديد أولوياتي وتقسيم وقتي، لكن سرعان ما أدركت أنه مساري المهني هو الأهم في الوقت الحالي، حتى لو كان ذلك على حساب صداقاتي وعلاقاتي الاجتماعية. ولا أعني هنا أني سأنعزل عن العالم وأتفرغ للعمل فقط، إلا أنني في أغلب الأحيان سأفضل عملي عندما أضطر للاختيار بين جلسة مع الأصدقاء أو العمل لبضع ساعات إضافية. لا أجزم بن هذا هو الصواب، لكن هذا ما أعتقد أنه يناسبني حاليا إلى أن أصل لهدفي الوظيفي.

بالفعل يملك هذا القرار تأثيرا سلبيا بعض الشئ على حياتي الاجتماعية وعلاقاتي، إلا أنه كما ذكرت مسبقا، لا يمكن الحصول على كل شئ.

على الرغم من أن العديد من الأشخاص يبرّرون فكرة التغاضي عن بعض حقوق الأسرة في سبيل العمل، فأنا أرى دائمًا أن نتائج مثل هذه القرارات غير محمودة العواقب على الإطلاق. وبالتالي لا يمكننا أبدًا أن نساهم في تحسين حياتنا من خلال حظر حقوق جانب على حساب آخر. لأن العمل على التأمين الاقتصادي يتطلّب استقرارًا من نوعٍ خاص، وبالتالي لا يسعنا أبدًا أن نحصل على هذا الاستقرار من خلال خلل في جانب آخر من جوانب الحياة، خصوصًا إذا كان ضمن أحد أغراضنا أن نمنح العائلة حياةً أفضل.

جميعنا نواجه هذا الأمر بدون استثناء وسنة بعد سنة تزداد المسؤليات بسبب غلاء الأسعار، كما أنني أؤمن بأن هناك فروق جنسية تؤثر في طريقة التعامل مع صراع الأسرة- العمل في بعض العائلات، تشير الأبحاث إلى أن الفروق الجنسية قد تؤثر على طريقة التعامل مع صراعات الأسرة والعمل. مثلا، يميل الرجال إلى التركيز على الحلول المباشرة والعملية، في حين أن النساء يميلن إلى التركيز على العلاقات الشخصية والتواصل الفعال. ومن المهم أن نفهم هذه الفروق ونحاول تقليل التباينات في نهجنا للتعامل مع صراعات الأسرة والعمل.

إذا كانت هذه الصراعات غير متناسبة، فقد تؤثر على استقرار الأسرة وسعادتها. يمكن أن يؤدي الصراع المستمر بين الحياة العملية والأسرية إلى الإحباط والإجهاد، ويمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشاكل والتوترات. لذلك، يمكن أن يكون من الأفضل للأسرة والشركة العمل معًا لإدارة هذه الصراعات بطريقة صحيحة.

يمكن أن يتضمن ذلك تركيز أكثر على التواصل الفعال وحل المشاكل بشكل مشترك. يمكن للزوجين أن يتحدثا مع بعضهما البعض لتحديد ما يمكن القيام به لتحقيق التوازن بين الحياة العملية والأسرية. يمكن أيضًا العمل على تحسين إدارة الوقت بطريقة أفضل لتحقيق التوازن بين الحياة العملية والأسرية. يتطلب ذلك تحديد الأولويات وإدارة الوقت بشكل فعال.

قد تختلف وجهات النظر بشأن كيفية التعامل مع هذا الصراع. بعض الناس يميلون إلى التفضيل للتفرغ للعمل بالكامل، مما يعني أنهم قد يضحون ببعض الوقت المخصص للأسرة. في حين يمكن لآخرين أن يفضلوا التفرغ للحياة الأسرية، متجاهلين بعض الفرص المهنية.

من وجهة نظري، يعتمد التوازن المثالي بين الأسرة والعمل على الأولويات الشخصية والظروف الفردية لكل فرد. لا يوجد حلا واحدا يناسب الجميع. يجب أن يكون هناك تفهم ودعم من العائلة والزملاء لتحقيق التوازن بين هاتين الجوانب الحياتيتين.

من خلال الاتزان الجيد بين الأسرة والعمل، يمكن للفرد أن يحقق النجاح في كلا المجالات. يمكن أن يحقق الشخص الإشباع والرضا النفسي عندما يكون قادرا على إدارة وقته بذكاء واتخاذ القرارات المناسبة. هذا يتطلب تحقيق التوازن والتناغم بين مختلف جوانب الحياة، مع التفكير بشكل واقعي في التحديات التي قد تواجهنا وكيفية التعامل معها بحكمة وروحية هادئة.