بسم الله الرحمن الرحيم
الشخصية القهرية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
يتّسم صاحب الشخصية القهرية بعدم قدرته على اظهار مشاعره للآخرين أو يصعب عليه ذلك, وقد يبدو جامداً ومحافظاً وقوياً, مما يجعله مناسباً لأن يتوظّف في العسكرية أو في الشرطة, خاصّة إنه يحب الترتيب ويكره الفوضى ويحب الالتزام بشدّة بالقوانين والأنظمة, مما يجعله جدير بالثقة وبأنه لن يستخدم منصبه أو صلاحياته في ظلم الآخرين أو التعدّي على حقوقهم.
ورغم إن البعض قد يرى صاحب الشخصية القهرية وكأنه مغرور, ولكن من يعرفونه جيداً قد يثقون به ثقة عالية, وذلك لأنه قد يمتلك في نظرهم حسّ العدالة في نفسه, وقد لا يرضى بأن يرى الظلم يحدث أمامه دون أن يحاول إيقافه سواءً من منطلق ديني أو خُلُقي أو قانوني, مستخدماً بذلك منصبه وصلاحياته المُعطاة له ومحققاً لمقولة (الرجل المناسب في المكان المناسب), ولكن إن لم يستطع صاحب الشخصية القهرية أن يرفع الظلم عن المظلوم لأي سبب كان, مثل أن تكون الأوامر قد أتت من رؤسائه, فليس عليه أن يلوي الحقائق كإقناع نفسه أن المظلوم هو الظالم وأنه يستحق كل الظلم الذي وقع عليه, محاولاً بذلك تزيين صورة رؤسائه وتزيين صورة القوانين في ذهنه وقلبه, ليستعيد حبّه وتقديره لهم, بل عليه إن لم يستطع أن يفعل شيئاً أن يرفض هذا الظلم في قلبه.
(عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان (. رواه مسلم . ).
كما أن صاحب الشخصية القهرية يميل إلى التديّن وذلك لأن الدين في نظره قد يكون قائماً على قوانين وشريعة ثابتة, مما يجعل صاحب الشخصية القهرية أكثر ثقة في نظر الآخرين, وإذا كان دينه هو الإسلام, فسيدفعه الإسلام إلى أرفع الأخلاق والأفعال والأقوال, فسيجعله يحاول تقديم خيره للناس ودفع شرّه عنهم.
ومن يعرف في حياته صاحب الشخصية القهرية فقد وجد كنزاً عظيماً, ومن الخير له أن يجعل له رصيداً حسناً لدى صاحب الشخصية القهرية, وقد يتطلّب ذلك بعض الجهد والمثابرة لصعوبة مصادقة صاحب الشخصية القهرية ولأن من يكسب صداقته, فإنه بالمقابل وعندما يثق به صاحب الشخصية القهرية فإنه سيكون له خير معين وسيكون قد أمّن لنفسه سنداً للمستقبل إن شاء الله, حيث أن صاحب الشخصية القهرية ورغم إنه لا يثق بالآخرين بسهولة ولكنه عندما يثق بأحدهم فإن من الصعب عليه أن يسحب ثقته منه, مما قد يجعله نعم الصديق وخير السند لأصحابه, والذين هم في الغالب قليلون جداً, وذلك قد يكون بسبب صراحته الشديدة التي قد تكون جارحة في أحيان كثيرة, فتُنفر منه الآخرين, ولكنها قد تكون محببة لدى أصحابه الذين يعرفونه خير المعرفة.
وقد ينفع صاحب الشخصية القهرية أن يسترخي بين الحين والآخر, ويهدّأ من نفسه قليلاً, ليزول منه التوتر والقلق, وسينفع صاحب الشخصية القهرية المؤمن أن يؤمن بأن كل شيء يحدث له هو خيرٌ له, فإن من شأن هذه النظرة وهذا الاعتقاد أن يزيل عنه الكثير من الهموم. ( عن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ( عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ).، رواه مسلم. ).
ولشدّة ميل صاحب الشخصية القهرية لمراقبة التفاصيل والقيام بها على أكمل وجه, فإنه ومع التدريبات على القيادة العسكرية الاحترافية فقد يستطيع تعلّم القيادة, مع احتفاظه بالقدرة على مراقبة التفاصيل وتسييرها والتحكم بها كما يشاء, ومع هذا الخليط يكون قد قبض صاحب الشخصية القهرية على القيادة من عدة جوانب.
ولأن صاحب الشخصية القهرية يحب الالتزام بالعادات والتقاليد والرسميات, فإنه قد يجلب معه إلى منزله رتبته ومنصبه, ويبدأ بمعاملة أولاده وكأنهم جنود أو أفراد تحت إمرته, وكأنه انتزع من نفسه صفة الأبوّة, وأحلّ محلّها رتبته العسكرية, ويزداد الأمر سوءاً عندما يُجبر صاحب الشخصية القهرية عائلته بالتزام الجدّية في كل تعاملاتهم مع بعضهم ومع غيرهم, وقد يغالي في ذلك لدرجة انتزاع آخر ما بقي من رحمة الوالدين وتعاطفهما في عائلته. ولهذا فعلى صاحب الشخصية القهرية أن يُفرّق بين عمله ومنصبه ورتبته وبين عائلته, فهو في عمله قائد أو تاجر أما في منزله فهو إن كان مسلماً فهو أبٌ مسلم أولاً قبل كل شيء من رتب ومناصب وأعمال ومهام.
ويبدو أن صاحب الشخصية القهرية يطلب من الآخرين ما يطلبه من نفسه, فكما إنه لا يُحب رؤية الآخرين وهم يُخطؤون فإنه لا يُحب أيضاً أن يُخطأ في حق الآخرين, وقد يصيبه الأرق من كثرة تفكيره بما فعله في النهار, وهذا مما يميّز صاحب الشخصية القهرية وهو أن لديه ضمير حيّ يجعله يحاسب نفسه على تصرفاته مع الآخرين. ومن هنا نرى أن صاحب الشخصية القهرية بالفعل قد يكون مناسباً جداً للعسكرية والشرطة, ليكون رحيماً بأفراده وجنوده في الجيش ويجاهد نفسه على أن لا يهينهم بأي طريقةٍ كانت, وقد يكون أيضاً رحيماً بالآخرين, ولا يحاول إيذائهم أو يستخدم منصبه في إلحاق الأذى بهم. ولأن الجيش يميل إلى الشدّة مع الجنود والعسكر بشكل عام, فإن وجود صاحب الشخصية القهرية في الجيش من شأنه أن يُصلح ولو قليلاً من هذا الجو الجامد والرسمي والشديد في الجيش, ولأن في الجيش يُعد الجنود هم من قبلوا بالجندية فإن صاحب الشخصية القهرية عندما يجاهد نفسه على عدم الإساءة إلى جنوده ويتعاطف معهم, فإنه بذلك يُظهر شيء من الرحمة, بخلاف ما يحدث في منزله وعائلته الذين لم يوافقوا على الدخول في الجندية, وبالتالي فإن التعامل معهم كما يتم التعامل مع الجنود هو نوع من الشدّة والغلظة وغياب الكثير من الرحمة المطلوبة من صاحب الشخصية القهرية كأب اتجاه عائلته.
ونرى بأن صاحب الشخصية القهرية قد يستطيع أن يدرّب جنوده بأصعب التدريبات وأشدّها, ولكنه في الوقت نفسه قد يُبدي لهم احترامه واعترافه بهم وبشخصياتهم, بدل أن يلتزم بالتربية العسكرية, التي تبدو وكأن همّها الأول أن تحطّم شخصية الفرد لتعيد تشكيلها كما يناسب القوانين والحياة العسكرية, لتجعل من الجنود دمى متحركة غير مسموح لهم بالتفكير أو التصرّف بحرية, ومجبورين فقط على إطاعة الأوامر من دون أن يكون لهم أي رأي خاصٌّ بهم. رغم أن بالإمكان الاستفادة من الشخصية الفريدة لكل جندي, وبدل هدمها أو تحطيمها لإنشاء شخصية أخرى فإن بالإمكان إصلاح الفاسد منها وتطويرها لإضافة عقول وشخصيات مميّزة للجيش, بالاعتماد على ما لدى المرء أو الجندي من مواهب فريدة, والتي ينوي الجيش سحقها بالكامل ثم إعادة بنائها لتناسب الجيش في محاولة جعلها مناسبة لقوانينه. وبإمكان صاحب الشخصية القهرية أن يستلم هذه المهمة ويحاول تغيير شيء من المنظومة العسكرية, إذا ما وصل إلى مناصب القيادات العليا في الجيش قبل أن يكون قد أفقده الجيش كل ما له, جاعلاً إياه أشبه بدمية لا حياة فيها.
وقد يستطيع صاحب الشخصية القهرية أن يُتقن عمله أيّاً كان وذلك لما يمتلكه من دقة عجيبة, تمكّنه من تنفيذ مهامه بأكثر الطرق احترافية, مما قد يساعده على تحقيق أي أفكار في أرض الواقع بأكمل صورة ممكنة.
وتمييز صاحب الشخصية القهرية للأخطاء في آراء الآخرين لا يعني أن رأيه هو الصائب, وليسأل صاحب الشخصية القهرية نفسه ما هي الشروط اللازم توافرها في الرأي الآخر, ليقتنع به فهل يكفي أن يكون فقط متّبعاً لأهوائه؟ التي هو من جانب آخر من شخصيته يحاول محاربتها والتصدّي لها ليظفر بالرأي السديد والصائب, أم أن بالإمكان أن تجد الأفكار والآراء المنطقية والعقلانية المُكتسبة عن طريق التعلّم والخبرة مكاناً لها في عقله وذهنه؟ وبالتالي فقد يكون هناك آراء أخرى أكثر صواباً من آراءه هو وآراء من حوله. وقد يكون من الصعب على صاحب الشخصية القهرية أن يخترع آراءً جديدة, ولهذا قد ينفعه أن يستعين بمفكرين ليتلمّسوا له الأصوب من القرارات المختلفة, ولكن عليه أن يختار مفكرين أهلاً للثقة, يمكنه أن يثق بآرائهم وأفكارهم لدرجة رفض أفكاره أمام أفكارهم, وإلّا فإنه لن تكون هناك أي فائدة من الاستعانة بهم, بل قد يكون ضررهم أكبر من نفعهم إن لم يكونوا أهلاً للثقة.
ومما يميّز صاحب الشخصية القهرية هو محاولته لتقييم كل شيء بالعقل والدين خاصّة إن كان دينه هو الإسلام, بدل اتباع أهوائه, وذلك قد يساعده على المحافظة على نفسه وشخصيته أمام كل ما يحدث له في عمله وفي منزله وفي الشارع, مما قد يساعده ذلك في عدم الذوبان في القوانين, فيمنع نفسه من تشكيل ضميره وقلبه ليناسب القوانين, بل يعود بتلك القوانين إلى الشريعة الإسلامية والعقل ليرى إن كانت فعلاً صحيحة أم إنها ظالمة وغير جديرة بالاتّباع.
ومما يجب على أصدقاء صاحب الشخصية القهرية أن يعرفوه هو إنه لا يبادر بإلقاء النصائح لهم من دون أن يسألوه, ولكنه عندما ينصحهم فإنه غالباً ما قد يوزن نصائحه بالعقل مما يجعل نصائحه ذات عمق وفائدة حسنة.
ومما يتّسم به صاحب الشخصية القهرية أيضاً هو هوسه بالكمال, والذي سيجعله يرى بعض المواقف البسيطة وكأنها شيء عظيم لا حلّ له, ولكن لو فكر صاحب الشخصية القهرية في هذه المواقف بالاعتماد على الشريعة الإسلامية والعقل والمنطق لرأى إنه هو من يبالغ في تقييم هذه المواقف, واتبّاع الكمال غالباً ما سيوقع صاحب الشخصية القهرية في دروب كلها مغلقة أمامه, ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ ) رواه البخاري (39) ومسلم (2816)
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" معنى الحديث : النهي عن التشديد في الدين ، بأن يحمِّل الإنسان نفسه من العبادة ما لا يحتمله إلا بكلفة شديدة ، وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) يعني : أن الدين لا يؤخذ بالمغالبة ، فمن شاد الدين غلبه وقطعه (. (موقع الإسلام سؤال وجواب).
وكذلك هو الأمر في الأمور كافّة فلا يجب أن يتشدد صاحب الشخصية القهرية في اتّباع القرارات التي اتخذها أو في تنفيذ ما عليه من أعمال ومهام, فليكن أكثر مرونة وتساهلاً خاصّة في تعامله مع الآخرين, أما فيما يخصّه فيمكنه أن يفعل ما يحلو له شريطة أن لا يغالي ولا يتشدد ولا يتطرّف في أموره, وهذا لا يعني أن لا يحاول اتقان عمله, فليتقن عمله قدر ما يستطيع دون مغالاة, فلا يترك رغبته في اتقان عمله تمنعه من تأدية أي عمل أو تمنعه من إنهاء أعماله وإنجازها.
وقد ينفع صاحب الشخصية القهرية في محاولاته لبلوغ الكمال والتزام المثالية أن يتّبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أكمل البشر, ويمكن لصاحب الشخصية القهرية أن يتّبع سنته صلى الله عليه وسلم وهو مطمئن تماماً, فيستغل بذلك صفة المثالية لديه في اتّباع سنّة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم, (روى مسلم (4223) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) .).
ومن هنا نرى بأن صاحب الشخصية القهرية لن يجد أكمل من الرسول صلى الله عليه وسلم ليتّخذه قدوة, ويتّبع خطاه بثقة وطمأنينة.
وحِرص صاحب الشخصية القهرية على التعلم وتطوير مهاراته باستمرار, هي من إحدى أعظم صفاته, والتي تمكّنه من الترشّح لأعلى المناصب القيادية, سابقاً بذلك أقرانه ومتجاوزاً إياهم, ولو صادف أن كان لدى صاحب الشخصية القهرية, رؤساء حريصين على الاستفادة منه ومن امكانياته, بتوفير كل الفرص المناسبة له ليرفع من مهاراته, فإنه يكون بالفعل كمن حاز على جناحيْن يستطيع أن يطير بهما أينما شاء, ومن هنا يمكننا أن نرى أن الشخصية القهرية ورغم إنها تعتبر مرض من الأمراض إلى أنها يمكنها أن تكون ذات فائدة عظيمة لصاحبها, فاتحةً أمامه أبواب كثيرة, قد لا يُمكن أن تُفتح لكثير من الناس.
ومن بين صفات الشخصية القهرية عدم قدرته على التعبير عن أحاسيسه ومشاعره وعواطفه, وقد ينفعه أن يحاول أن يجلس لوحده ويتخيل نفسه مع عائلته في مواقف مختلفة ثم ليحاول أن يتخيّل نفسه وهو يعبّر عن مشاعره لأحدٍ من أفراد عائلته, فإن لم يستطع أن يتخيّل أي شيء فليغيّر المواقف التي اختارها ليصفى على المواقف التي يمكنه أن يعبّر عن أحاسيسه فيها, وقد تبدو محاولاته في التعبير عن نفسه في بادئ الأمر في خياله غريبة أو غير مقبولة عنده, فليحاول تعديل محاولاته وتحسينها قدر ما يستطيع, فإن من فائدة الخيال هو أن بإمكان المرء أن يعيد تخيّله للموقف الواحد عدة مرات وكأنه يعود في الزمن, حتى يختار أحسن الطرق في التعبير عن مشاعره, ثم ليحاول أن يتخيّل نفسه يعبّر عن مشاعره لأفراد عائلته في الواقع, وقد يهتدي لعدة طرق تمكّنه من إيصال مشاعره لهم دون أن يدفع نفسه دفعاً إلى ذلك, حيث أن التخيل المتكرر لتصرف ما يشجّع وييسّر على صاحبه أن يتصرّف بمثل ما تخيّل أو قريباً منه وبعفوية.
ويتّسم صاحب الشخصية القهرية بسرعة الغضب والسخط وعدم الرضا, فعليه أن يحاول السيطرة على نفسه عند الشعور بالغضب, ويحاول قدر ما يمكنه أن يكتم غيضه ( فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي ﷺ: أوصني قال ): لا تغضب) فردد مراراً، قال: (لا تغضب)[1]، رواه البخاري.
و( عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رَضِيَ فله الرِضا، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ".).
وعلى صاحب الشخصية القهرية أن يعلم بأنه لن يستطيع القيام بكل الأعمال لوحده, ولهذا فعليه أن يعتمد على الآخرين في بعض الأعمال, مما سيضطرّه لاختيار المناسبين لهذه الأعمال وأكثرهم ثقة ليفوّض لهم القيام بالأعمال والمهام المختلفة نيابةً عنه, ليركّز هو بدوره في الأعمال والمهام الأكثر أهمية, ثم يمكنه أن يطّلع على بعض تفاصيل أعمال مرؤوسيه ليتأكد من أن العمل يسير كما يحب ويرضى, دون أن يوقف العمل أو يأخّره لأجل مراجعة أعمال مرؤوسيه, وليعلم صاحب الشخصية القهرية أن الكمال المُطلق لله وحده سبحانه وتعالى, ولكن ليتقن عمله على قدر امكانياته وامكانيات مرؤوسيه دون أن يشُقّ عليهم, أو يحمّل نفسه والآخرين ما لا يطيقونه.
ويتّسم صاحب الشخصية القهرية بكثرة القلق في معظم الأوقات, فقد ينفعه أن يتخيّل بإيجابية كيفية جري الأمور والمواقف التي يشعر بسببها بالقلق, فيمكنه أن يتخيّل ما مدى انتفاع الآخرين من كل ما سيفعله أو يقوله, فيُبدد بذلك القلق الذي لديه ويُحلّ محلّه حُسن الظن بالله سبحانه وتعالى.
أما عن الحب فعلى صاحب الشخصية القهرية أن يعلم أن الحب ليس أن يمتلك حبيبته أو محبوبه, بل أن يحفظ نفسه لدى محبوبه ويحفظ نفس محبوبه لديه, فيعود هو إلى نفسه القديمة والمحبوبة كلما قابل حبيبه, ويعود محبوبه إلى نفسه التي حفظها صاحبه لديه عندما يقابله.
ويجب على صاحب الشخصية القهرية أن يعلم أن هوسه بمحبوبه سيجعله يبدو كالعجينة في يد محبوبه يشكّله كيف شاء, فيمحي شخصيته ويبدلها بشخصية أخرى أو يبدّل طبائعه كيفما شاء, ولهذا فعلى صاحب الشخصية القهرية أن يحاول قدر ما يستطيع أن يتمالك نفسه عند الحب فلا يجعله يجرفه أينما شاء الحبيب, بل عليه أن يحتفظ لنفسه بالخير الذي يجده في نفسه, ويمكنه أن يسمح للحبيب أن يغيّر ما عدا ذلك, فقد يساعده الحبيب في أن يتجاوز بعض المساوئ التي في شخصيته, ولكن أيضاً يمكن للحبيب أن يؤثّر عليه تأثيراً كبيراً ويتلاعب به بسهولة على قدر هوس صاحب الشخصية القهرية بمحبوبه, فإن ترك نفسه لمحبوبه يسيّره كيفما شاء دون أن يجعل خطوط حمراء, خاصّة إذا كان هذا المحبوب يتّبع أهواءه فإنه يكون قد حكم على نفسه بالهلاك. قال تعالى: (( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) )). (سورة الأنعام) آية (116).
وفي الختام قد ينفع صاحب الشخصية القهرية أن يحاول التحكّم بتصرفاته وانفعالاته قدر ما يستطيع, وأن يُهمل الأفكار والمشاعر السلبية, ويستمتع قدر ما يريد بالأفكار والمشاعر الإيجابية... هذا والله أعلم.
المصادر:-
1- موقع العزايم (واحة النفس المطمئنة).
2- موقع المرسال.
3- موقع حرة.
4- موقع الإسلام سؤال وجواب.
5- موقع بابونج.
التعليقات