في زاويته الشهيرة في صحيفة "نيويورك تايمز" كتب "توماس فريدمان" مقالة بعنوان: "كيف تحصل على وظيفة في جوجل." ومن خلال عنوان بهذا الحجم يتوقع القارئ أن يخرج بوصفة سحرية أو خلطة سرية تعينه على اقتناص الوظيفة التي يريد بأي شركة في العالم. إلا أن مقالة "فريدمان" خيبت ظنون الكثيرين الذين أدركوا أن شروط التوظيف في "جوجل" لا تختلف عنها في "تويتر"، أو في مطعم للوجبات السريعة؛ فكل شروط التوظيف في كل مكان تنص على أن الشهادات لا تكفي، ولا التحصيل الدراسي؛ فعليك كي تحصل على عمل يرضيك، وتحافظ عليه، أن تكون سعيدًا بأدائه، وأن تتعلم فيه بسرعة.
أتلقى كل يوم أسئلة متشابهة من قبيل: كيف نجحت؟ وما النجاح؟ وكيف يمكنني أن أنجح؟ ولو سألني أحدهم: كيف أحصل على وظيفة في "جوجل"؟ لأجبته على الفور: "قدم طلب توظيف!"
للنجاح مفهوم مراوغ، ولا أظن أن أحدًا يستطيع تعريفه بشكل واضح ودقيق. ولهذا أرى أننا لسنا بحاجة إلى تعريف النجاح، ولا إلى ابتكار آليات لتحقيقه. فالنجاح مفهوم نسبي ومطلق في نفس الوقت؛ فهو نسبي لأن كل إنسان يبحث عن طبعته الخاصة من النجاح، وهو مطلق لأنه لا متناهٍ ولا يمكن تحقيقه. ففي اللحظة التي يخرج فيها أحدنا على الملأ ويقول: "أنا ناجح"، يكون قد وضع حدًا فاصلاً بين نهاية نجاحه، وبداية فشله.
لكن سؤالاً من قبيل: "لماذا تعتبر نفسك ناجحًا؟" هو سؤال قابل للإجابة لأنه يتعلق بقيمنا ونظرتنا إلى الحياة، وببصمتنا الفريدة التي نستطيع أن نطبعها عليها! فمعظم الدراسات التي حاولت الإجابة عن هذا السؤال – في العقدين الأخيرين – قد خلصت إلى أن الإنسان يكون بالضرورة ناجحًا إذا كان سعيدًا، وأن العكس ليس صحيحًا دائمًا. فإذا ما تمتعت بالقناعة والرضا، وحظيت بحب الناس، وختمت حياتك متشبثًا بالقيم التي ناديت بها، ومستمسكًا بالمبادئ العليا التي لا تستطيع الجهر بنقضها ورفضها، فأنت إنسان ناجح، حتى وإن لم يلاحظ الآخرون نجاحك.
لخصنا في عام 2004 كتاب "النجاح الكافي" الذي يدعونا لنكتفي بقدر معين من النجاح في كل مجال من مجالات حياتنا، وألا نكون طماعين إلى الحد الذي يحرمنا لذة النجاح. وفي عام 2012 لخصنا كتاب "الطريق المتعرج" الذي يرى أن رحلة النجاح لا يمكن أن تسير في خط مستقيم من البداية إلى النهاية. فلذة النجاح تنبع من تخطي الصعاب وتجاوز العِقاب (جمع عقبة). وعبر نظرة التمتين® للنجاح أدركنا أن النجاح ليس عكس الفشل. فمن يتخلص من حالة فشل لا يصبح ناجحًا بالضرورة، بل يصبح غير فاشل. وكثيرًا ما يتوازى النجاح والفشل في حياتنا؛ حين ننجح في مجالات ونخفق في أخرى، وكثيرًا ما يتقاطع فشلنا مع نجاحنا؛ حين يؤدي الأول إلى الثاني، أو العكس.
في دراسة علمية عالمية أنجزها فريق من باحثي علم النفس الإيجابي بقيادة الدكتور "كريستوفر بترسون" تم تحديد 14 منبعًا لسعادة الإنسان، منها سبعة منابع جوهرية هي: الإيمان، ومساعدة الآخرين، والعمل، والأصدقاء، ووضوح الهدف، والزواج، والسفر. وسبعة مصادر ثانوية أو مساعدة هي: الثروة، والمكانة الرفيعة، والرفاهية، والصحة، والمناخ الجميل، والذكاء، والتعليم المتميز. فالإيمان أهم من المال، والعمل أهم من التعليم، والزواج أهم من الرفاهية، والأصدقاء أهم من الذكاء، ومساعدة الآخرين أهم من المنصب المرموق، والسفر إلى أي مكان أهم من البقاء في أجمل مكان، ووضوح الغاية ونبل الهدف أهم من تحقيق أي هدف.
في عام 2012 زارني صديق عميق وأنا أجتاز أزمة صحية عارضة، وطلب مني أن أعدد المبادئ العشرة للنجاح، فاعتذرت وآثرت أن أعدد المبادئ العشرة للارتياح، وهي:
أحب الناس، لأن حب الناس غاية تدرك، وهو أسهل من إرضائهم؛
لا تقلق من مشكلات العمل، لأن حل مشكلات العمل هو العمل؛
كل واشرب بعناية؛ كل على ذوقك ولا تلبس على ذوق الناس؛
لا تتزوج إلا من تحب بداية، ومن تتوافق قيمه مع قيمك نهاية؛
اسعَ إلى تحقيق أهداف كبيرة، لتُبقِي كل المسائل الصغيرة، صغيرة؛
عش بعقلك وتحمل كل نتائج اختياراتك؛
احرص على أداء كل عمل بطريقة صحيحة (وليس بالضرورة رائعة)؛
أوفِ بالوعود مهما كانت بسيطة، ولا تفرق بين الكبير والصغير، والغني والفقير؛
حاول أن تعيش دون تحيزات قدر المستطاع (وهذا أمر في غاية الصعوبة)؛
ثق بقدرات الآخرين، وتوقع منهم الكثير، وأعطهم قبل أن تطلب منهم.
بتطبيق هذه المبادئ تكون قد تقدمت للعمل في "جوجل،" وحصلت على الوظيفة، وقد تفكر الآن في الاستقالة؛ لتشغل محرك بحثك الخاص، وتعيد اكتشاف ذاتك.
نسيم الصمادي مؤسس موقع www.edara.com