ما زلت أؤمن
أن الانسان لا يموت دفعة واحدة
وإنما يموت بطريقة الأجزاء
كلما رحل صديق مات جزء
وكلما غادرنا حبيب مات جزء
وكلما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء
فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة
فيحملها ويرحل...
إضافةً إلى ذلك، يمكننا أيضًا أن نعزو مثل هذه المشاعر إلى رغبتنا المستمرّة في فهم الموت، حيث أننا نستعين به في تفسير كل شيء، طمعًا في أن نفهم ولو جزء صغير منه. وبالتالي فإننا في مختلف مواطن الألم في حيواتنا نعمل على استنتاج الموت منها واستخلاصه، ونسعى دائمًا إلى تشبيه الفقد بالموت، والألم بالموت، وموت الآخر بموت جزء من الذات. من هنا يمكننا أن نرى هشاشتنا البشرية تجاه هذا المفهوم الغامض في كل شيء.
لديه فلسفة مُختلفة تماماً في الحياة، ولذلك لفتتني بحق هذه المساهمة، أعتقد أنّ ما تذكرينه حضرتك برأيي يُساهم في بناء الإنسان لا العكس، لا موته، فكل الصعاب التي تقف بوجه أي إنسان ويجتازها تشكّل لهُ قوّة داخلية تُعيد تشكيل ما انهدم منه، لتبني صيغة للإنسان نفسه بقوّة أكبر، وهذا يُقال بالمناسبة في أمثالنا الشعبية، يفهمه الناس قديماً وحديثاً: السقطة التي لا تكسر ظهري تجعله أصلب - هذا صحيح، من يقع فعلاً يتعلّم كيف يكون النهوض وما الذي يعنيه الغلط والفشل، يُدهش الكثير من الناس حين يعرفون بحق أنّ دوستويفسكي الذي شغل العالم بكتاباته ورواياته وشخصياته العظيمة لم يكن إلّا رجلاً مُعدماً مديوناً معظم عمره، وبأنّهُ في مرّة من المرّات وضعوا حبل المشنقة على رقبته وأعفي عن هذا الإعدام باللحظة الأخيرة، يتحدّث عن هذا الرجل في ما يكتب وينتابني شعور يقول لي بأنّه يؤشّر للناس ويقول: هذا الألم والتعب الذي صنعني، الذي بنى دوستويفسكي.
🔦
برأيي ما يحدث أعمق من ذلك فالموت يحدث آنيًا خلايا تموت فتحل محلها خلايا جديدة و جسيمات تفنى فتتكون جسيمات بديلة ففي كل لحظة نحن نموت لنحيا بصورة جديدة و هذا ما جعلنا نتحرك من نمط إلى نمط آخر فالحياة و الموت وجهان لعملة واحدة حتى يحدث الموت الكبير الذي هو ليس إلا حياة طويلة الأمد فنحن ما بين وفاة ما فينا و حياة ما فينا و هذا ما جعل حياتنا تتجدد و تتغير من حال إلى حال آخر لذلك نحن نموت لحظيا لنحيا لحظيا و الموت و الحياة لا يفترقان و اجتماعهما يشكل التردد و النبض و التغير.
هذا تماماً ما أتحدّث عنه ولكن حضرتك صغته بطريقة مغايرة، الموت والحياة صفة متلازمة مع الإنسان إلى موته الأخير أو موته الأكبر كما سميته ومن الموت تخرج الحياة، هذا نراه في الفصول والطبيعة، كل أوراق الشجر والشجر عموماً يموت في لحظات البرد والصقيع والأمطار والثلوج الصعبة التي تغطّي كل شيء، لكنّ هذا الموت تليه حياة، تجعل من الشجرة أحلى، من الورقة أنضر، وكذلك الإنسان برأيي، هو شاهد على هذا وفاعل بطريقته الخاصّة.
التعليقات