ما سر الهوس العالمي بكرة القدم؟

طبعا إنه سؤال وجيه ، لأن كرة القدم تشتهر أكثر من الألعاب الأخرى، وربما يعود السبب في ذلك الى شعبيتها وهذا ما جعلها الرياضة المفضلة لأكثر سكان الارض وذلك نظرا لكونها تتميز بطابع الإثارة كما أنها مستمرة أي أنها تلعب في أوقات كثيرة في السنة فهي موسمية وتتم إما إقليميا أو محليا أو عالميا ، على عكس الرياضات الاخرى، كذلك تتميز بعنصر التشويق خاصة أنها تلعب على مدار 90 دقيقة، والعديد من المزايا التي تجعلها أفضل من الرياضات الأخرى .

الامر منوط بعد أسباب من ضمنها الأسباب النفسية، أولها ارتفاع مستوى الهرمونات لدى الانسان، فمثلا هرمون الدوبامين المسؤول عن السعادة، فبمجرد فوز فريقك ترتفع مستويات هذا الهرمون وبالتالي ستشعر بالسعادة وهذا يؤثر على مزاج الشخص

أيضًا "خلايا الأعصاب المرآتية" لها دورٌ في تفاعل المشاهد مع المباريات والتعاطف مع مشاعر الاخرين.

بالطبع إلى جانب أن الكثيرين عندما يؤيد فريق رياضيا دون الاخر سيشعر بالانتماء إلى جانب الإحساس بالذات وهو أعلى مستوى في هرم ماسلو 

لأن البشر من الناحية النفسية يميلون لمثل هذه الألعاب التي تحاكي الحروب, البشر كائنات حربية, فحتى في الصراعات ينقسمون للاصطفاف لجهة ضد أخرى.

أما لماذا اشتهرت كرة القدم تحديدا وليس لعبة جماعية أخرى, فلأن كرة القدم شكلا وموضوعا تأخذ مساحة كبيرة بالهواء الطلق وبعدد لاعبين كبير عكس مثلا كرة اليد أو السلة, والسبب الثاني تاريخي فكرة القدم اشتهرت في أوربا إبان قوتها الحضارية ففي القرن التاسع عشر وبداية العشرينات كانت أوربا أقوى قارة, وهي من عملت على نشرها في كل بقاع العالم ابتداء من أمريكا اللاتينية إلى افريقيا وآسيا, في أميركا الشمالية كرة القدم تطلق على لعبة مشتقة من الريكبي الانجليزي وهي الأشهر هناك من كرة القدم الأوربية التي نعرفها جميعا لو افترضنا جدلا أن أوروبا دول ضعيفة لما انتشرت لعبتهم الشعبية كرة القدم, ولسادت لعبة أخرى ككرة القدم الأمريكية مثلا.

طيب ما السر وراء الهوس بكرة القدم لهذا الحد؟ لماذا لا تحظى بقية الالعاب وحتى الجماعية منها بنفس اهتمام كرة القدم ؟

في بلدي الجزائر، لا تكادُ يخلو حيٌّ من الأحياء الشّعبية من كرة قدم، أو من صبية وشبابٍ يمارسون هوايتهم المفضّلة وهي لعب كرة القدم، أرى أنّ السرَّ يكمُن في كونها لعبةَ الفُقراء وفي بساطتها، فأيُّ شخصٍ بإمكانه ممارسة كرة القدم وشراؤها بأثمان متفاوتة ومعقولة. ولكوننا تربّينا على حبِّ هذه اللّعبة من الصّغر، ومن المدارس، الكثير منها في حصة الرياضة البدنية يمارسون كرة القدم فقط!

يقول أستاذي في مادة السيناريو بإنّ كرة القدم مثيرة للإعجاب جداً ليست من ناحية الشعوب بل من ناحية الفنانين والكُتّاب، الكتّاب وأصحاب الكلمة والقصص والحكايا معجبين بهذه التركيبة العجيبة من أمرها، ويقول أيضاً بأنّ كرة القدم هي من أقدم المسارح الدرامية، وأصرّ على كلمة مسرح لما تحمل هذه اللعبة من دراما خاصّة في الفترات الأخيرة التي صارت أكثر تشعّباً ووضوحاً في هيكليّتها وتنظيمها. هذه العمومية والدرامية والاجتماع على أمر واحد سريع تنافسي يجعل هذه اللعبة عالمية، حدث عالمي لا يُنافس، بالإضافة إلى ذلك هُناك أيضاً رأي للكاتب الفرنسي الشهير سايمون كوبر يرى فيه بما معناه أنّ هذه اللعبة قادرة على أن تعطي الجماهير شيء لا يمكن إيجاده بأي نشاط أخر وخاصة أثناء التشجيع والتحمّس في هذه العملية، هي تعطي فرصة للجميع ودعوة حلوة للانتماء إلى الجماعة بسهولة، وهذا في يصب في جوهر الاحتياجات البشرية.

قال تميم البرغوثي أثناء استضافته في الحدث العظيم "كأس العالم مؤخرًا، وقد كان يصف الكرة بأنها مثال للعالم البديل الذي نحلم به:

«ما الذي يدعو المتعبين إلى اللعب؟ 

ما الذي يدعو الحزين إلى الغناء؟

وما الذي يأتي بشاعر مثلي إلى احتفال كهذا

اللعب زيارة قصيرة لعالم بديل

ساعتان من المساواة والعدل 

فلا ترى فريقاً يلعب بأحذية نفاثة مثلاً وفريقاً حافياً

ولا فريقاً مسموح له الركض على طول الملعب وعرضه

وآخراً يحتاج لاعبوه تأشيرات ليجتازوا خط الوسط

وعندما تكون الكرة في الميدان فالتسديد مسموح به للفريقين

وفي النهاية يبقى الجميع بصحة جيدة 

لم يسل إلا العرق

ولم يعلو الصراخ إلا تطوعاً».

سؤال جميل وهناك بالتأكيد العديد من الأسباب سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية وغير ذلك، ولكن بالنسبة لي ومن وجهة نظري الشخصية أرى أن هوس الناس بكرة القدم أولاً وآخراً ينبع من حاجة الفرد للانتماء لمجتمع يضمه ويحتوي شخصيته وأشخاص بنفس اهتماماته يشعرونه بأهميته وصوابية آرائه... أيضاً لابد من الإِشارة إلى أن الكثير من الناس قد لا يبرعون في لعب كرة القدم على الرغم من محبتهم لهذه اللعبة الشعبية ويعوضون هذا النقص بالمشاهدة ومتابعة أخبارها الشيقة والمسلية، وختاماً، يمكن أن نعزو تعلق بعض الناس بكرة القدم بسبب الضخ الإعلامي الهائل الذي يحيط نجوم كرة القدم وتلميعهم المستمر الذي يرافق المتعة التي يقدمونها والفنيات التي يجيدونها.

تحياتي لكم.