الإنسان كائن معقد..هذه الجملة المفيدة (قد لا تثير إهتمامك) إن لم تكن ممن توهموا أن الإنسان قوي وواضح ,على طريقة خير محض أو شر محض , ملاك أو شيطان.
أنا أخبرك بهذا وعلى الأقل هذا ما يخبرنا به العلم و زج العلم بهذا الموضوع سيخرجني من دائرة أنني أخترع لك كلاما من رأسي .ذات قراءة _الإيحاء هنا أنها منذ زمن بعيد_ وقع في يدي كتاب ( حيونة الإنسان ) لممدوح عدوان..لم يبق في الذاكرة شيء منه. أو على الأقل بقيت الفكرة _في العقل الباطن طبعا _بحيث أنني أتوهم نسيانه بينما الواقع أنه موجود ولم يغب عني .تأمل هذه العقدة !
ذلك الكتاب يخبرك أن الكثير من البشر عرضة للعقد ,والأمر يبدأ مع عقدتي في نسيان الكتاب ( أو توهم نسيانه) فكل موقف يمر بك لابد وأن يثبت منه شيء . حتى تلك المواقف ( المكبوتة ) والتي تعتقد أنك محوتها هي موجودة وأثارها تخرج بصورة مختلفة, ألا يكفي هذا دليلا على أنه كائن معقد ؟نعم معقد . ولأنه معقد _على افتراض الإجابة بنعم_ فهو عرضة لأن يكون كائنا خبيثا ..لأن العقد ينتج بعضها بعض .عقدة النقص مثلا تسبب الإسقاط النفسي و الإسقاط النفسي يؤدي للعدوان .وهذه العقدة خطيرة لأن الآخرين هم المتلقين لنتائجها .لأنه حدث بالفعل أن هذا الكائن المعقد يجمع بين عقدتين في وقت واحد .
فهناك " السادوماسوشية " وهي خليط من الرغبة بإيذاء الآخرين والتلذذ بتعذيبهم ومن حب إيقاع الألم على النفس والتلذذ بالتبعية وتعذيب النفس . تلك ربما تفسر ما أسميه _من باب أن لي وجهة نظر_ بالخبث.فالخبث يشمل النذالة والعدوانية مع وجود الطيبة في قلب هذا الشرير أو ( بقعة الضوء ) في أعماقنا المظلمة . يذكر ممدوح عدوان أن هناك بشرا يتم تدريبهم على ما يسمونه التشييء . كل ما يكرهه سيقوم لا شعوريا بالتعامل معه على أنه شيء .حتى البشر _الذين يعذبهم وهم لم يفعلوا بحقه سوء _سيتعامل معهم على أنه شيء . ولك أن ترثي للبائس الذي يقع تحت يده !
هو لا يراه إلا شيء .. مجرد شيء .. فيتفنن بتعذيبه وهو يضحك.حتى الأطفال سيتلذذ بتقطيع أوصالهم (أو يصورهم وهو يهددهم هل يقطع الرأس أم اليد؟) ولأنه في قلب عقدة التشييء فهو يشعر بالسعادة بهذا الفعل ويشعر بوجوده حين يلغي الآخر تماما , وهذا يفسر لك كيف أنه حين يعود لبيته وأطفاله لا يجد أي تأنيب ضمير على الإطلاق.أليس هذا الكائن خبيث ؟
والأمر لا يخلو من ضعف لأن هناك عقد تخرج للسطح وعقد مازالت في طور النمو وعقد انتهت بمقاومة وعقد لا تفسير على اختفائها _ فهو معقد وليست كل جوانبه مفهومة _ كعقدة الضعف ..هذا الكائن الخبيث المعقد هو كائن ضعيف أيضا.
ولأنني لن اخترع كلاما من رأسي فسأزج بالعلم أيضا . فذات قراءة _قريبة نوعا ما_ وقع في يدي كتاب للدكتور ساكس (الرجل الذي حسب زوجته قبعة) تأمل العنوان !
سيلفت نظرك _على افتراض أنك ستقرأ الكتاب_ " المستر بي " أستاذ الموسيقى في الجامعة هذا الأستاذ الذي عرض عليه الدكتور ساكس قفازا وسأله ما هذا الذي تسمكه بيدك؟ فقال:هو شيء من جلد سطحه (متصل وملتف على نفسه) وله خمسة جيوب خارجية. كان يصفه ولم يستطع أن يعرف ما هو رغم أنه ينظر إليه ويتفحصه بيده . قال له الدكتور ساكس أدخله بيدك , حينها صرخ مستر بي يا إلهي أنه قفاز !!
يقول الدكتور ساكس لا يستطيع الطفل أن يخبرك عن (سطح متصل وملتف على نفسه ) لكنه سيميز ويعرف أن القفاز قفازا بمجرد أن ينظر إليه .والأمر نفسه انطبق على الوردة فحين يقدم له الدكتور ساكس وردة وسأله عنها قال : شيء طوله ست بوصات شكله أحمر ملتف وله وصلة خضراء خطيّة. ثم سكت لم يستطع أن يعرف ماهي وهو ينظر لها وكله حيرة فقال له الدكتور ساكس: شّمها .حينها "انتشى" أوه إنها وردة وجميلة !!
تأمل ضعف أستاذ الموسيقى وكيف غابت عنه حقيقة الأشياء برغم أنه ينظر لها ويمسكها بيده..وهو نفسه عنوان الكتاب لأنه أمسك برأس زوجته يحسبه قبعة !
ضريبة هذا الحديث _الحديث عن البشر _ أنه لابد من قياس ما نقرأ على الواقع وعلى أنفسنا فمن جهة نحن بشر ومن جهة أخرى لدينا عقد وخبث وضعف .
ولا بأس أن أعترف بالضعف_ وأستغفر الله عن الخبث_ ففي لحظة انبساط اسارير أسمع صوتا أنثويا رخيما يقول هلا .حسنا , أنا ضعيف أما هذه الـ هلا . لكن _ولأنني معقد كبقية البشر _ففي لحظة توتر لا أستشعرها وأتعامل معها على أنها رد تحية كما هو فعلا سبب سماعي لها. والامر يقاس على (يسلمو) و(فديتك) على افتراض (أنني مستمع جيد) تلك عقدة ضعفي (ولن أزج بالعلم هنا) .
فما أفكر به هو من رأسي هذه المرة . والسؤال هل سيتغير _على ضوء فهمنا _ تعاملنا مع الكائنات الأخرى التي هي بالضرورة ( تشبهنا) وليست خالية ؟ الأمر سيغير من فكرة ( أن تثق به أو لا تثق ) فهو لن يخرج من كونه معقدا وقد يخالف توقعاتك في لحظة حرجة.
أن تسامحه أو لا تسامحه فلن تأمن من (خروج عقدته ) فينقلب عليك في لحظة ما .
والأجمل _الأخطر _ أنه سيغير من فكرة ( أن تحبه أو لا تحبه ) فلن يبدل من أنه _أنها_ كائنا معقدا قد يرحل عن حياتك فجأة كما دخلها .!!
ربما _وأقول ربما_ سنكسب أننا نخفف من وطأة حجم الألم الذي قد نتعرض له... قد نخرج من هذا الكائن بأقل الضرر أو على الأقل سنقدم له المساعدة لا أن نتركه فترتد عقده علينا بصورة أو بأخرى ..
هذا أمر لابد منه .. ففي النهاية نحن بشر ونعيش بين البشر .وكلنا كائنات معقدة ولنا نصيبنا من الخبث والضعف .