من الجيد أن المجتمع طبقات

هُناك مغالطة منطقية فلسفية وقعتِ بها حضرتك ولا أعتقد أنكِ غافلة عنها، في حال أصبح العالم كُلّه أغنياء لن يكون هُناك أغنياء، قد تبدو العبارة غريبة بعض الشيء، ولكنّها تدلُّ على مبدأ فلسفي الجميع تقريباً يعلمه في أننا نُعرّف أيّ شيء بتميّزه عن الأشياء، فالطاولة القديمة جداً خاصتي في المنزل مثلاً تُسمّى طاولة، وطاولة القصور والرؤساء تُسمّى أيضاً طاولة لتشاركها الخصائص ذاتها، أرجل وسطح، وبمثال أقرب جداً وأوضح، لا يمكن أن نعرف الليل إلّأ بالنهار، فانتفاء النهار ليل، ولا يمكن أن نعرف القوي إلّا بمجتمع من الضعفاء، لا يمكن أن نعرّف أي جبان إلّا بوجوده بين الشجعان، الكريم بين البخلاء، ...إلخ.

لذلك في حال كُنّا في مُجتمع مُتخم بالأغنياء، كُلّهم كذلك، لن يكونوا أغنياء فعلاً إلّا في حال وُجِد فقر بينهم، فقراء، لذلك توحّد طبقة واحدة في مجتمع، مثلاً الكل أغنياء، يعني أن لا أغنياء فيها!

في أحد المحاضرات كانت لدينا فقرة كوميدية نوعًا ما عن أسباب بناء برج خليفة.

فكنا نتبادل الأدوار حيث يجلس المُحاضِر كطالب ويكون الطالب مكان المُحاضِر ويبدأ المحاضر بسؤاله سؤال واحد "لماذا تم بناء برج خليفة؟"

فحينما كان دوري وسألني المحاضر لم أجد إجابة فقد إنتهت الإجابات مع زملائي فكانت إجابتي " أن المهندس الذي صمم برج خليفة كان قد إنتهى من صعود الهرم الأكبر بسهولة شديدة لكونه متسلق قبل أن يكون مهندسًا، فصمم برج خليفة بهذا الطول لأنه يتطلع لتحدي إضافي جديد يختبر قدراته "

ورغم كونها مزحة في ذلك الوقت ولكن أعتقد أنها إجابة حقيقية عما أظنه سيتحدث لو إختفت الطبقات.

سيسعى المجتمع من جديد لإعادة النظام وتكوين مجتمع هرمي مكون من طبقات مرة أخلى لأن المهندس الذي صعد الهرم بدون تعب لن يتوقف حتى يصعد برج خليفة وهذا هو الإنسان عمومًا.

يتطلع دومًا للصعود للإعلى وإن لم يكن هناك أعلى سيصنعه بنفسه ليصعد له مرة أخرى على ما أظن.

لو تحقق ما قلتى يا رغدة سنجد القمامة تحاصرنا في الشوارع وتقتلنا برائحتها فلا يوجد من يحملها فالكل غني ، ولن يكون هناك من يزرع لكي نأكل فسنموت جوعاً .

دائماً يحضرنى قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم " أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ" صدق الله العظيم .

والآية بها تفصيل دقيق لفطرة الله التي فطر الناس عليها من ضرورة وجود التفاوت الإجتماعي والمادي لكى تسير المجتمعات وتتميز بالإستمرارية .

لكن هناك بعض المداخلات منا كبشر فى السنة الكونية بإستخدام الفساد وتحويل الثروات بشكل غير مناسب لتصبح في أشخاص غير مناسبين ينالوا المال من غير جهد هنا يحدث الخلل الإجتماعى فلا بد من ينال المال والمكانة الإجتماعية صاحب جهد وفكر راقي .

لكن ما يحدث منا كبشر في هذه الأيام ليس له علاقة بالسنة الكونية فنحن نحاول أن نتخطاها وننال الغنى والمال بدون إجتهاد ولكن قناعاتى أنه لن يكسر السنة الكونية شئ ومن يفعل ذلك معها من بشر ومجتمعات تنتفض حماية لنفسها وحماية لسنة الله فى كونه لينصب الكل فى مكانه الصحيح .

ذكرتني مساهمتك بفترة كنت كثيرًا ما أفكر بهذا السؤال "لماذا لم نُخلق جميعنا أغنياء؟" لأننا بالفعل نتصارع من اجل المال!

قرأت في ذلك الوقت وشاهدات مقاطع فيديو عن الموضوع، فكان مجمل الحديث أن الله أعلم بنفوس عباده، قد يعطي الفقير مال كثير ويغنيه فيصيبه الغرور ويتوقف عن السعي ويفسد ماله، وأن ما يميز الإنسان هو أنه يسعى لتطوير نفسه وكسب رزقه فلو مَلَكََ المال من الأول فلن يخرج من منزله، بل سيضيعه في أور سيئة لأنه حصل عليها جاهزة لم يتعب ولم يعرف قيمتها.

لن يكون هناك صدقات، لن نكون بحاجة إلى الصوم للاحساس بالفقير، لن نحتاج إلى التضحية بعيد الأضحى وتفريقها على الفقراء.

بالمناسبة تم إصدار فيلم جديد قبل شهر تقريبًا "Don't worry darling" كان يتحدث عن تجربة مجتمعية يقوم أصحابها بتنويم الدماغ ومسح ذاكرتهم وإدخالهم في عالم جديد، يتم تقييم كل شخص على حسب ذكائه وقدرته على تحسين وتطوير المجتمع، وبهذا يتم تقييم وضعهم الاجتماعي أيضًا، لا يوجد مال في هذا المجتمع وكل شيء تحصل عليه بماء على مساهمتك، ومع هذا كان المجتمع عبارة عن طبقات متعددة. وفي رواية أرض زيكولا أيضًا كانت العملة هي الذكاء وكان عبارة عن طبقات مختلفة ليس الجميع بنفس المستوى.

"ليس للإنسان إلا ما سعى" الله أعلم وأرحم بعباده فهو خالقهم ويعلم ما في نفوسهم وله حكمة.