إنّ الاستسلام للمنطق و العقل وحده فيه استئصال لأجمل ما في الإنسان . . روحه . . و وجدانه . . و ضميره، و لو لم يكن إبليس موجودا لأوجدناه // إنّنا لا نستطيع أن نعيش دون أن نسمع ذنوبنا // في شبح نلعنه كل يوم و نرجمه لأنّه غرر بنا
. . نحن نساعد في خلق الأباطرة و الجبابرة // بل نحن الذين نخلقهم و نشكلهم بأيدينا
. . إن الشياطين من صنع أيدينا، و الإجرام قرين لكل منا // لأنّنا جميعا أبناء القاتل قابيل
. . لكل منا قرين و لكن يوجد من يسيطر على قرينه، و يوجد من يسيطر عليه قرينه
. . إن السم لا يزرع و لا يصنع؛ و لكنه يخرج من حقدنا و حنقنا لبعضنا البعض
. . و لا يحين الموت إلا بعد أن ينتهي الأجل
فالموت قرار من الله وحده
(مصطفى محمود)

بهذه العبارات للدكتور مصطفى محمود استهل الكاتب السيد الحراني فقرة من كتابه ''مذكرات مصطفى محمود'' عن صراع الدكتور مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

قد سبق أن أخبرني أحد الحسوبيين هنا أن لا أقتطع اقتباسا دون إظهار سياقه. لذا أقول لكم أنّ هذه العبارات كانت تدور حول الرئيس جمال عبد الناصر. و لا أريد الخوض في مدى صحة ذلك و لا في الحديث عن هذا الرئيس المصري، إنّما أردتت في هذه المساهمة مناقشة فكرة أنّنا نخلق الجبابرة و نصنع الشياطين.

و لو لم يكن إبليس موجودا لأوجدناه // إنّنا لا نستطيع أن نعيش دون أن نسمع ذنوبنا

اقرؤوا هذه العبارة ثانية، و اسمحوا لي أن أخبركم باقتباس آخر قرأته لفيلسوف غربي مفاده أنّه لو لم توجد الشياطين لأوجدناها لأنّنا نحتاج أن نعلق أخطاءنا على أحد.

كما أنّني ألاحظ ذلك بالفعل في حياتي اليومية، مثلا، إذا ما غفا أحد فإنّه يقول بعاميتنا المغربية: ''دَاتْنِي عيني'' أي أخذتني عيناي، فيرجع بذلك اللوم لعينيه بدل أن يقول: غفوت. مثال آخر، إذا أسقط أحد القلم فإنّه يقول: سقط القلم، و ليس: أنا من أسقطته. و الكثير غيرها من الأمثلة.

و الجملة الأشهر: غرّني الشيطان. لحظة لحظة، أنا بالطبع أؤمن بوجود الشيطان، و القرآن مليء بآيات تتحدّث عن إغراره بالناس. لكن ألا نتحمل جزءا من المسؤولية لأنّنا استسلمنا لهذا الشيطان؟

ما أريد قوله هو أنّ الاعتراف بالخطأ أصبح قليلا في مجتمعنا، نحاول دائما رمي أخطائنا إلى الآخرين و أحيانا إلى الجمادات، و هو ما يجعلنا نتكاسل عن إصلاح تلك الأخطاء. و أنا صراحة أجل من يعترف بأخطائه بوضوع: أجل أخطأت. لا أراه ضعف شخصية أبدا بقدر ما هو شجاعة.

بالمقابل، و عودة لعبارة مصطفى محمود:

إنّنا لا نستطيع أن نعيش دون أن نسمع ذنوبنا

أفهم من قوله أنّنا نحب ذلك، حسنا، لكن هل هذا صحيح؟ و إن كان كذلك فلماذا لا يعترف أغلبنا في أغلب الأحيان بأخطائهم؟

أرى أنّي فشلت في صياغة هذه المساهمة، و لو يعدلها أحدهم، لكن أرجو أن تكون فكرتي قد وصلت بشكل أو بآخر. و حتى لو لم تفهم شيئا من هذه المساهمة فيكفي أن تجيب عن هذه الأسئلة:

هل لا نستطيع العيش دون سماع ذنوبنا أم أنّنا نحاول التخلص منها دائما بإلقائها على الآخرين؟ و هل لو لم يكن هنالك شيطان أخلقنا إبليسا نرمي عليه مسؤولية ذنوبنا؟