ظاهرة القبلية

العشائرية والقبلية تعني أن المجتمع لا زال عالقًا في أمور تجاوزها العالم منذ قرون ويحكم بناء عليها، ومع القبلية تخلق العنصرية و التمييز و الواسطات والمشاحنات، وهذه كلها تهدم أي دولة مهما كانت قوية وتنخرها من الداخل وتعزز النعرات والأحقاد والحروب والنزاعات الأهلية.

اليوم لا زالت الكثير من المجتمعات العربية يشعر أفرادها بالفخر لأمور لم يقوموا باختيارها وإنما ولدوا بها لأجل الصدفة، فيُنظر للنسب على أنه أمر يستحق الافتخار به وهذه أسس مضروبة للفخر، فالفخر يجب أن يتأتّى من أفعال وقرارات و إنجازات قمنا بها بأنفسنا، وليس بسبب رابطة دم لم نقم باختيارها، وهو ما لو تجاوزه الفرد العربي لأصبح أكثر رحابة وتقبل للآخر وبالتالي أكثر عدلاً و منطقية في الحكم على الأمور، ولكننا شعوب عاطفية بطبيعة الحال، وقد ناقش الدكتور العراقي علي الوردي هذا الموضوع وجذوره وآثاره في المجتمع العراقي الذي يعد من أكثر المجتمعات العربية اعتدادًا بالعشيرة، في رائعته وعّاظ السلاطين ، ويمكنك من خلال تحليل الكاتب للتاريخ وحال المجتمع العراقي تبيّن الكارثة الحضارية التي تسببت بها القبلية.

ظهرت هذه الأيام نعرات النزاعات العرقية، فالمتابع لوسائل التواصل الاجتماعية يلاحظ بلا ريب أن هذه النزاعات اتخذت طريقها إلى عقول وقلوب الأفراد في مجتمعاتهم نحو مجتمعات أخرى.

ترى المصريين يتباهون بالفراعنة وينسبون كل شئ إليهم ويسخرون من غيرهم، وكذلك الأمازيغ وكل فرد ينتمي إلى عرق معين تراه يمجد هذا العرق ويسخر ويقلل من الباقين.

ومن الأهداف الرئيسة لنشر ذلك هو تفكك وحدة العالم العربي كما فككوا قديما وحدة العالم الإسلامي، فبعدما غذوا القومية في عقول العرب وجعلوهم يثورون على إخوانهم المسلمين فانقسم المسلمون حسب القوميات، الآن يريدون تفكيك العرب لينقسموا إلى عرقيات، فبعد القومية العربية التي جمعت دولا مختلفة في ظلها، ينشرون هذا الخبث حتى نضعف أكثر وأكثر، ويغذونها عن طريق أذناب لهم وأبواق فتن نشروها بيننا.

فبعد أن كان كل المسلمين إخوانا انقسمنا إلى قوميات، ترك وعرب وفارسيين وشرق آسيويين، والأغلبية منهم القومية العربية، والآن يريدون تقسيم هذه القومية إلى أعراق، وحينما يحدث ذلك تكون الطائفية القبلية على أهبها حتى لا يبقى للمسلمين أي قوة أو أدنى وحدة.

إن المشكلة لا تتمثّل في هذا الأمر فقط أو تتوقّف عند هذا الحد يا محمد في الكثير من الدول، فالصراع القبلي في هذا السياق يمتد إلى المطالبة بالحق في الأرض، وبالتالي يولّد ذلك عداوة سياسية كبيرة بين مجموعة القبائل وبين الدولة، ممّا قد يتسبّب في العديد من الخلافات والمعارك.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه العداوة التي تمتد إلى العلاقة الداخلية بين أبناء الأرض الواحدة قد تتسبّب في مشكلات قد تصل إلى حروب أهلية، بالإضافة إلى أن حلول الحركات الشبابية وخلافه لا يمكن لها أن تطبّق في ظل هذه الظروف، لذلك أجد أن الأمر يحتاج إلى ثورة على صعيد التعليم والنشء بشكل عام على مدار فترة طويلة نسبيًا من المستقبل لاقتلاع هذه الأفكار من جذورها.