اللغة أعمق بكثير من كونها وسيلة للتواصل بيننا نحن البشر، فاللغة تمثل الهوية والثقافة والتاريخ، وتمثل نظرتنا لنفسنا ولمن حولنا وللمجتمع ككل، بل إنها تساهم في تحديد نظرتنا للمجتمعات الأخرى، اللغة تأثر بشكل كبير على طريقة تفكيرنا وإستيعابنا للأمور من حولنا، ولكن ماذا لو أخبرتك أن اللغة تعيد تشكيل دماغنا بشكل كامل!!

طبقا لنظرية النسبية اللغوية التي وضعها العالم بنيامين وولف فإننا نرى العالم عن طريق اللغة، أي أن الإنسان العربي والصيني والانجليزي ربما يرون نفس الظاهرة بشكل مختلف!

على سبيل المثال، لا تميز اللغة الإنجليزية في الضمائر بين الذكر والأنثى على عكس اللغة العربية، الأمر الذي جعل المجتمع الغربي طبقا لبعض الباحثين أكثر تقبلا للمساواة بين الجنسين من المجتمع الشرقي.

و قد تؤثر اللغة حتى في رصدنا لبعض التجارب العلمية، فقد كانت هناك تجربة بين فريقين من الباحثين لرصد أحد الجينات المسببة للأمراض في أرجل الحيوانات، كان الفريق الأول ألماني والأخر أمريكي، ولأن اللغة الألمانية لا تفرق بين الأقدام الأمامية والخلفية على عكس اللغة الانجليزية فلم يتصور الباحثين الألمان أنهم يبحثون عن اثنين من الجينات المنفصلة في حين أن الباحثين الأمريكان يبحثون بشكل إفتراضي عن الجينين، وبالفعل تم اكتشاف اثنين من هذه الجينات بشكل منفصل في حين لم يستطع الباحثين الألمان تصور أنهم يبحثون عن جينين منفصلين، لأن الأقدام الأمامية والخلفية بالنسبة للحيوان يتم اعتبارهم لغويا جزءا واحدا من الجسم.

كذلك تساهم اللغة في جعلنا أكثر أو أقل قدرة على التعبير عن أفكارنا ومشاعرنا وعواطفنا المختلفة، ويعتمد هذا بشكل أساسي على قوة اللغة من ناحية عدد الكلمات التي يمكن استخدامها للتعبير، فعدد كلمات اللغة العربية تقريبا ثلاثة أضعاف اللغة الإنجليزية، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في ترك إرث أدبي عربي عملاق مقارنة بالأدب الإنجليزي.

طبقا لعلماء اللغة فإن تعلم اللغات الأجنبية في سن مبكر يعد ضاراً بشكل كبير مقارنة بالنفع العائد على الطفل، فهو من الناحية النفسية يؤثر بشكل كبير على هويته ورؤيته للعالم، ومن ناحية أخرى قد يعيق قدرته على التعلم والإبداع، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أننا قد نفقد أكثر من ٥٠% من قدرتنا على الإبداع عند تعلمنا بغير لغتنا الأم، ولذلك فإننا نجد أن هناك عدد محدود جدا ممن حصلوا على جائزة نوبل ممن درسوا بغير لغتهم الأم.

ربما قد نتفاجأ بهذا الكم من التأثير للغة على طريقة تفكيرنا وإدراكنا للواقع، الأمر الذي يجعل دراستنا للغتنا الأم وتمكننا منها على رأس أولوياتنا في الحياة.

في رأيك، هل تعتقد أن هناك جوانب أخرى يمكن أن تؤثر من خلالها اللغة على عقولنا؟؟