قبل مدة اندلعت مظاهرات في الولايات المتحدة بعد موت أمريكي من أصول إفريقية على يد شرطي أبيض البشرة، اعتبرها الكثيرون جريمة عنصرية نتيجة لعوامل عدة، وكان ما جذب انتباهي حقا هو علو الأصوات في مجتمعاتنا بحمد الله وشكره على أننا لسنا عنصريين، فهل نحن كذلك؟
عادة ما تعاني الشعوب المنهزمة مما يسميه البعض "حالة إنكار" فينكرون الواقع ويعيشون في عالم مثالي من صنع خيالاتهم، تجدهم يصيحون "لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى" ولقد أمرنا ديننا بألا نفرق بين الناس أيها الكفرة الملاعين! انظر إلى الغرب الكافر الذي يدعي الإنسانية وحقوق الإنسان! انظر إلى العلمانية الحقيرة وما فعلته بالمسكين! الحمدلله على نعمة الإسلام.
الغريب في ما حدث ليس أنهم يؤمنون بشيء ولا يفعلونه غصبا وقهرا -قد تحدثت عن المؤمن الانفصامي سابقا الذي لا يطبق ما يؤمن به لتعارضه مع نفسه- فهذه حالة مختلفة، الحالة هنا أنن منا أشد الشعوب عنصرية وننكر كل هذا!! نتعامى عن ما يحدث بيننا من عنصرية ضد المرأة وضد الأسود وضد الأبيض وضد المسيحي وضد الوسيم وضد القبيح وضد ذوي الإعاقات!! لا نرى كل ذلك ونكرر أننا لا نعاني من مثل تلك العنصرية.
قد يعيش بعض القراء في بلاد لا مسيحيين فيها، ولكنني في مصر حيث ما يقرب من ١٠٪ من السكان مسيحيون، ويتعرضون لشتى أنواع الاضطهاد والعنصرية التي قد تصل لحد القتل، المشكلة أن عنصريتنا مبررة، وطالما نجد لها تبريرا فلا نعتبرها عنصرية! ولن آتي بأدلة لأثبت كلامي فالبعض يحب إنكار البديهيات ولا أخاطب هؤلاء، كمن يطلب مني دليلا على أن الفاروق أبطل حد السرقة في عام المجاعة وهو شيء اتفق عليه السابقون واللاحقون.
نحن عنصريون ضد المرأة، نعم عنصريون ضد المرأة مهما كانت، وأنا أول العنصريين، ولدت في بيئة عنصرية أبا عن جد، المشكلة أننا نجد تبريرات مثل الحفاظ على الفتاة من الشر، والمشكلة اننا نظن أنفسنا أفضل من باقي العنصريين الذين يشاركوننا الوطن، فنقول عمن لا يعلم بناته أنه رجعي رغم أنه يسير بنفس المبدأ الذي سرت أنت به! الفرق أنه مد الخط على استقامته! والأسوء من ذلك السخرية المنتشرة من الحركات النسوية بسبب بعض أخطاء من ينتمون لها، وأحيانا لم يرتكبوا خطأ غير أنهم قالوا ما لا يأتي على هوى المجتمع، والنتيجة رفض تام وقاطع وسخرية من أي حركة نسوية رغم ان هذه الحركات هي أصلا من أعطت النساء كل تلك الحقوق التي بأيديهم اليوم، ١٤٠٠ عام لا نذكر أن المرأة كانت تشارك في الحياة العامة إلا مرة وقت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ومرة أخرى في القرن العشرين مع صعود الحركات النسوية في العالم العربي، وبين الاثنين ظلام دامس ليس للمرأة فيه أي دور، ونعلي أصواتنا أن الإسلام أنصف المرأة وأعطاها الحق في العمل ثم نحبس بناتنا في البيوت ليكبروا ويكونوا مجرد آلات لإنتاج الأطفال! فلينظر كل منكم لنسبة تعليم البنات في هذه المجتمعات المسلمة قبل قرن من الآن! بل قبل نصف قرن من الآن!
نحن عنصريون ضد كل من نختلف معه في الرأي أو حتى في الذوق، ونواتج هذه العنصرية كارثية، فاليوم قرأت تعليقا لشخص يدعم التعذيب والتنكيل بامرأة تعرضت لشتى أنواع الظلم هي وعائلتها ويدعم من عذبوها لأنها "كتبت منشورا تدعم فيه المثليين" أو لأنها "علمانية تدعو للكفر والإلحاد" او لأنها "فيمنيست" أو لأنها "ترتدي كذا وكذا" ولم أهتم بأنها لا تفعل معظم ما كيل لها من اتهامات، ولكن خطورة هذه النظرة، التي تجعلنا نقبل أي نوع من أنواع الاضطهاد بل نشارك في هذا الاضطهاد لأنه ليس على هوانا! ثم نذهب ونقول أن الغرب الكافر يحتاج أن يتعلم منا مكارم الأخلاق، أي مكارم أخلاق هذه يا هذا؟
للتوفير على البعض، إن كنت تود أن ترد وتقول أننا غير عنصريين فمن فضلك لا تعلق، لا طاقة لي بهذا الهراء، وإن كنت تود أن تعطيني درسا في تحرير الإسلام للمرأة فأنت لم تفهم حرفا مما كتبته، أتمنى أن تعيد قراءة الموضوع أو فقط سلبه واذهب.
التعليقات