تعتبر اللغة في اساس تكوينها نظاما صوتيا يهدف الى انشاء تواصل بين الناس . تتعدد طرق التواصل بين المبنية على السمع كالكلام ، و المبنية على النظر كالحركات و الكتابة . و مما لا ريب فيه ان الصيغة الصوتية هي الاكثر استخداما من بين كل الصيغ ، و من مبدأ الحاجة فقد وجب ان تكون مصب تركيز الاساتذة في عملية تلقين اللغة ، و ان يتم اعطاء الاهمية الاكبر في التعليم للتواصل الصوتي اكثر من القواعد النحوية للغة – و لست هنا انتقص من اهمية تعليم الاركان الاخرى للغة – و لكن الواقع يؤكد بان التعليم في هذا المجال يجب ان يقوم على اساس الاولوية التي تمليها ضرورة الاستخدام . و من ناحية اخرى فانه من الممكن اكتساب القواعد عن طريق التواصل الصوتي ، لكن لا يمكن باي حال تطبيقها في حال تعلمها دون الفعالية التطبيقية اللازمة . فعلى سبيل المثال نجد ان بعض اللغات الجد قديمة لاتزال حية الى اليوم رغم عدم وجود اي صيغة مكتوبة لها .
ان اكتساب لغة جديدة يعني اكتساب نمط جديد للتفكير ، فالعقل البشري يستعمل الكلمات المتوفرة فيه للتواصل ، و متى زدنا من عدد تلك الكلمات زادت معها فرص العقل للإبداع و التطور . ثم ان تنوع اللغات يعطي لنا القدرة لنفكر من منطلق الآخر ، فاللغة هي حجر الاساس في تكوين الهوية الفردية للإنسان . فهي تعكس نمط التفكير الفردي و الجماعي الطاغي على مستخدميها . و كمثال على هذا نجد بان اللغة الانجليزية لغة صريحة في تعبيراتها عن الجسم البشري و نجد بان استخدام الكلمات المعبرة عن الاعضاء الانسانية المميزة للجنس صريحة و واضحة و لا حرج في استخدامها . في حين ان العرب يستخدمون الكنايات للتعبير عن هكذا اشياء التي تعد طابوهات في مجتمعاتهم . مما اضطرهم الى انشاء صيغ تعبيرية غير موجودة عند غيرهم . و لا نستغرب من ان نجد عربيا من المغتربين يستخدم كلمات صريحة غير الكنايات للتعبير عن هذه الاشياء ، و ذلك عائد الى اكتسابه لحضارة و تفكير اللغة الاجنبية التي اتقنها ، و هنا يظهر تأثير اللغة على الافراد .
من تعلّم لغة قوم امن شرّهم
لقد كان اوّل تطوّر جدّي لمنهجية تدريس اللغات في عالمنا الحديث عقب الحرب العالمية الثانية عندما اصطدم الجيش الأمريكي بالعديد من الصعوبات في عملية التواصل مع الشعوب المختلفة المتواجدة على اراضيها ، و هناك ظهرت اّول الاجراءات الفعالة تحت مسمّى التدريب العسكري الخاص الذي كان نواة تطور هذا الميدان ، فتمّ اللجوء الى العديد من علماء اللسانيات و التربية و التدريس المشهورين في ذلك الزمان؛ أمثال بلومفيلد ، وكذلك تشومسكي فيما بعد ، و طلب منهم أن يضعوا طريقة تمكن الجنود من الحوار المباشر مع الشعوب التي يتصلون بها. و لان الحاجة امّ الاختراع فقد بذلت جهود علمية حثيثة الى ان تمّ تطوير هذه الطرق المباشرة وحققت نجاحا كبيرا لأن الدافع والحافز كان قويا.
انتشرت هذه الطريقة سريعا ، و كوّنت حجر الاساس في عملية تعلّم اللغات عبر العالم .
و من بين اكثر نظريات تعلم اللغة انتشارا ، و انجعها نتيجة هي نظرية الحمّام اللغوي ، او نظرية التورّط ، و تنضوي على قاعدة بسيطة: «يُمنع أن تتحدث بأيَّة كلمة من لغتك الأم. عليك أن تتحدث اللغة التي تتعلمها فقط»، وبالطبع فإن الأمر قد يبدو مستحيلًا في البداية، ولكن في الواقع فإن وتيرة التعلُّم ستصبح أسرع من أيَّة طريقة أخرى، لأن الطالب سيتعلم كُل ما هو ضروري لحياته اليومية، وسيتعلم الأهم فالأهم، وبعد أسابيع سيجد الطالب نفسه وهو يتحدّث اللغة الجديدة بشكل مُبهر، كما يظهر في الفيلم الوثائقي الذي قام سكوت يونغ وصديقه فات بإنتاجه عن تجربتهما في تعلُّم اللغات، ففي بداية الفيلم كان واضحًا أنهما لا يفقهان شيئًا بالإسبانية، وبعد 11 أسبوعًا يظهر كيف استطاعا تحدثها بطلاقة !
تنتشر العديد من النظريات و تختلف نسب نجاحها حسب الظروف ، و ان كانت جميعها تصب في نفس السياق . و رغم اختلاف علماء اللسانيات و التربية في المنهجيات الا اننا جميعا لن نختلف على ضرورة اكتساب اللغات في زمن الحضارة العالمية المشتركة و الانفتاح على الغير .
التعليقات