قصة ذات الرداء الأحمر من القصص الضاربة في القدم، يعيد البعض جذورها لما يربو على الألف عام، القصة في أبسط صورها تتحدث عن فتاة صغيرة ذهبت لتعطي شيئًا ما لجدتها وأثناء عبورها الغابة قفز ذئب أمامها ليلعب معها ويسألها عما تفعله في الغابة، فتخبره بذهابها لجدتها ومكان المنزل فينصحها أن تلتقط بعض الأزهار لجدتها المريضة وتذهب إليها، وعندما تصل هناك تستمر القصة كما نعرف جميعًا، فتجد جدتها بأذنين كبيرتين وأنف كبير وأنياب وجثة ضخمة، وبعد عدة تساؤلات بريئة يقفز الذئب ليلتهم ذات الرداء الأحمر.

يمكنني استقراء جذور هذه القصة التي اختلقها الأجداد، ربما أرادوا فقط أن يعطونا نصيحة "لا تذهب مع الغريب ولا تأخذ منه شيئًا، ولن نتحدث عن الأمير الذي أضيف لاحقًا للقصة لينقذ ذات الرداء الأحمر، أو ذلك الفيلم السينمائي الغريب الذي شاهدته منذ عدة سنوات بنفس العنوان ولم أتبين علاقته بالقصة الأصلية إلا من الرداء الأحمر -كان جيدًا الصراحة، ولكن دائمًا ما شعرت وأنا طفل أن ذلك الذئب شرير، ولكن هل هو شرير حقًا؟

الأخلاق، أحد أهم أعمدة أي نظام اجتماعي على هذه الأرض، وتظهر تلك الأخلاق في كل المجتمعات الحيوانية بشكل مختلف، فنجد الذئاب تفضل الشريك الواحد، والأسود ترى التعددية بل الانفتاح الجنسي أحيانًا، ويحكم ذلك مجموعة من القواعد التي يتوارثوها جيلًا عن جيل، ولا يختلف الأمر كثيرًا بيننا، ولكن تبدأ المشكلات حينما نطبق ذلك على غيرنا من الحيوانات، هل الذئب شرير لأنه أكل الجدة؟ لا أعتقد أنك شعرت بمقدار "شره" عندما أكل الجدة مقارنة بأكله لذات الرداء، فالحبكة الدرامية جعلتنا نتعاطف مع الشخصية الرئيسية "ذات الرداء الأحمر" أكثر من الجدة، ويبدو لنا أنه كلما تعاطف البشر أكثر من شخص كلما استفز ذلك التعاطف مقدار تطبيقهم لأخلاقهم على تلك الشخصية، فنحكم على الذئب أنه شرير لأنه قتل جميلتنا، ونحكم على الكلب أنه شرير لأنه عض طفلنا، بينما لا نرى ذلك الشر إذا ما أكل دجاجة ما، أو إذا أكلنا نحن دجاجة ما، فهل الإفتراس فعل لا أخلاقي؟

لا أعتقد أن الإفتراس فعل غير أخلاقية، البعض يعتبر أنه من المستحيل تطبيق النظم الأخلاقية على الحيوانات لعدم امتلاكها الوعي الكافي، بينما الواقع يقول عكس ذلك في كثير من المجتمعات الحيوانية كالشمبانزي والغربان، فأعتقد أن لتلك المجتمعات أخلاق ما، ولكن لا مجتمع منها يعد الافتراس جريمة لا أخلاقية، كما لا نعد افتراسنا لغيرنا جريمة، وكما لا تعد الخراف افتراسها للعشب جريمة، إذن هل من حقنا أن نطلق أحكاما أخلاقية على غيرنا من المجتمعات؟

الذئب كان مدفوعًا بغريزة البقاء، كان جائعًا، فهو مضطر، ورغم ذلك نعتبره شرير، فما قولك في مليارات الحيوانات غير المضطرة ورغم ذلك تقتل غيرها من الكائنات "للتخزين للمستقبل"؟ لا أستطيع أن أرى فعل الذئب أقبح من فعل البشر.

لنفرض مجتمعًا حيوانيًا عاقلًا، تملك الحيوانات فيه وعيًا بشريا وغريزة شديدة الحيوانية، ففي هذا المجتمع، هل افتراس الحيوانات لبعضها عمل غير أخلاقي؟ ولما قد يعاقبوا عليه؟ أليست تلك غريزتهم التي جبلوا عليها؟ عقلهم فقط لا يستطيع أن يمنع تلك الغريزة دائمًا أو يوقفها، فمن أنت لتحكم على فعله أنه غير أخلاقي؟ ومن أعطاك الحق لتحكم عليه بأخلاقك إلا منطلق القوة؟

من الأنميات الجيدة حقًا التي تعرضت لهذه المعضلة "طوكيو غول" وبدرجة قليلة جدًا "الهجوم على العمالقة"، ففي طوكيو غول كانت هنالك فلسفة ممتازة في أول بضع حلقات -قبل أن يفسد الأنمي مانجاكا أحمق- تتحدث عن حالة مماثلة، فهنالك مجموعتان من الكائنات الذكية على هذا الكوكب، البشر والغيلان، ولا يمكنك أن تفرق بينهم بالشكل، ولكن إذا ما سيطرت الغريزة على الغيلان انقضوا على البشر يأكلوهم دون قدرة منهم على كبح أنفسهم، ووضح الأنمي محاولة أحد الغيلان مقاومة هذه الغريزة وفشله، وكيف أن مقاومتها تؤدي لأضرار أكبر وأخطر، فهل يجب علينا حقًا أن نمنع هذه الغريزة ونكبتها؟ يشتكي أحد الغيلان صارخًا عن الظلم في المعاملة، وكيف لا يحق لهم أن يعيشوا كالبشر، فهم يتغذون عليهم ببساطة كما أن البشر يتغذون على باقي الحيوانات، فلما يوصف فعلهم هم بالشر ويحاكموا والبشر لا؟ ومن الحلول التي حاولوا وضعها هو تغذية الغيلان على جثث الموتى، وبعض القصص التي عرضت حالة مماثلة مع مصاصي الدماء كانت ترى أن من واجب البشر التبرع بدمائهم لحل هذه المشكلة.

ما فائدة كل هذا الهراء؟ جاوب أولًا على الأسئلة بالأعلى قبل الإنتقال للآتي، فالإجابة ببساطة كالآتي: فكر في القتلة والسفاحين وآكلي لحوم البشر الذين عرفتهم البشرية، هل يختلفون كثيرًا عن الحالات بالأعلى؟ ما وجه الإختلاف؟ ألا يستحقون أن نوفر لهم حلولاً توافق غريزتهم؟ خذ هذا لدرجة أعمق، البيدوفيليين ومن على شاكلتهم، ألا يشبهون أولئك الآخرين؟ كلهم سيقولون لك أن الغريزة هي من تدفعهم، كما تدفعك غريزتك للبقاء لقتل الفراخ، فما موقفك من كل هذا؟ فكر قليلًا في ما تعتنقه من ثوابت لا تتزعزع وافهم نفسك أكثر، افهم حقيقة المثل العليا التي تعتقد أنك تعتنقها، أو منظومتك الأخلاقية العالية جدًا، واسأل نفسك سؤالًا: أملوم الذئب على فعلته؟