العالم اليوم يحتفل بالسنة الميلادية الجديدة - عيد مولد المسيح - ، كمناسبة دينية-تقليدية، العديد من الطوائف المختلفة في العالم لديها موقف معين تجاه هذه الاحتفالات، لكنني اتسائل معي ومعكم، ما هو موقفي بالضبط أمام هذا الإحتفال السنوي؟

لأفهم موقفي جيدا ومن جميع جوانبه المظلمة، لابد أن أعود قليلا إلى الوراء، لأنسج بعض الخيوط فيما بينها، لعلي أجد في آخر المطاف نتيجة واضحة، كتجربة عشتها كمسلم متطرف خلال فترة في الماضي، كنت أنتقد كل فكرة أو مشهد يتعارض أو ليس مناسبا مع دين الإسلام، من ثم صرت أدرس العقيدة والفقه في جمعية تابعة للمسجد لتحصين الإيمان والآخرة، ثم قليلا بقليل، مع التفتح وتقبل رأي الأخر كذات له قيمة وغاية في حد ذاته، أصبحت مسلما معتدلا، بحكم أن العالم يفرض علينا التأقلم في ظل وتيرة الواقع، وبما أن العالم أيضا يعرف تفاوتا وإختلافا في العقائد والايديولوجيات بين السماوي والعقلي، كان من المفترض أن أتكيف مع الواقع بشتى تلاوينه الإيجابية والسلبية، ثم ساعدتني تجربة الهجرة وبعض الأفكار الفلسفية أن أتعرف على دين الإنسانية وعلى القيم الكونية ومبادئها، وأن جميع الأديان الموجودة حاليا وقديما، لم تكن سوى تعبيرا عن إله واحد بطرق متنوعة ومتعددة، وعن غموض هذا الوجود بتفسيرات سماوية-عقلية، إذن هكذا كان مساري خطوة بخطوة، من التطرف إلى التفتح النسبي، ثم إلى الانفتاح والإبداع..

اليوم أجد نفسي بين جانبين، جانب من الماضي الذي لازال يعتبر من كوني هو أنا هو أنا - الهوية الذاتية - ، وجانب من الحاضر والتطلع إلى مستقبل مزدهر، الذي كون من خلال بنية تحتية مضطربة، التي انعكست علي بشكل إيجابي نوعا ما وعلى البنية الفوقية بالتقدم وبرفع شعاري التنوير والعلم نحو الأمام، هكذا يمكنني القول أنني حاولت تلخيص مقدمة متواضعة لموقفي حول الإحتفال بالسنة الميلادية.

قد يكون الإنسان أحيانا محتارا بين الاختيار الشخصي أو الواقعي، لكنني أفضل أن أكون أداة للحقيقة عوض الهروب إلى الأوهام من أجل الشعور بالآمان وبالطمأنينة، لذلك سأحاول كل مرة يمكنني فيها المحاولة مرة أخرى أن أختار الحقيقة، والحقيقة هنا ليست واضحة وسهلة، لايسعني الموضوع عن الحديث حول تاريخ المسيح وعن الذي يجوز والذي لا يجوز، لأجد موقفي الشخصي حول الموضوع سأستعين ببعض الحقائق الطبيعية؛

الإنسان يميل إلى تجربة المتعة واللذة أكثر من تجربة العذاب والألم - حقيقة علمية - ، والاحتفال بأي مناسبة شرط أن تكون المتعة واللذة حاضرتان يعتبر من الاحتفالات المرغوبة والمطلوبة في العالم، فمثلا الإحتفال بعيد السنة الجديدة هي مناسبة لاتعوض عن إيجاد المتعة واللذة؛ "شرب الكحول، ممارسة الجنس، الأكل المفرط، الرقص والموسيقى الصاخبة، الخروج مع الأصدقاء.. الخ" ، إذن نستنتج أن الإحتفال برأس السنة أي ميلاد المسيح، ليست سوى وجه آخر لإيجاد المتعة، فالاحتفال بميلاد المسيح دينيا لم يبقى له أثر في واقع المسيحية اليوم بإستثناء بعض التلاوين الخارجية، لكن هناك بعض الطقوس والمراسيم التقليدية، والاحتفال في عمق الإحتفال بميلاد المسيح ليس سوى تقليد "أي من التقاليد القبلية وليس الدينية" توارثته الأجيال عبر التاريخ، وما تفعله اليوم أغلب الشركات التجارية هو ترويج سلعها باستغلال رأس السنة بغطاء ميلاد المسيح، إذن المسيح هنا ليس إلا وسيط بين الإنسان والمتعة، والإنسان إنسان إستهلاكي وإستغلالي بطبعه الطبيعي، - حقيقة نسبية - ، نستنتج إنطلاقا مما سبق أن الإنسان يسعى إلى الإحتفال الذي ليس سوى مناسبة أي وسيلة لإيجاد المتعة أي الغاية، ولو كان ذلك على حسب قيمة الله.

ربما من خلال الخلفية الإسلامية، قد أكون ضد كل ما هو ضد الخلفية، لكنني اغتسلت في البركة لتنظيف الخطايا من أجل التطهير ومن أجل الحياة الأبدية بمعناه المسيحي، رغم التطهير والخلفية تبقى القيم والمبادئ الكونية هي الأسمى فوق كل الأديان والأفكار التي تساهم في تفريق البشرية عن إنسانيتها وعن فضولها الوجودي.

موقفي تجاه هذه الاحتفالات إذن، هو موقف محايد، يمكن للإنسان أن يختار حسب إرادته وخلفياته أين يجد متعته ولذته الوجودية مع الاحتفاظ بالإحترام وتقبل حرية المعتقد والآخر ككائن لا يختلف عن غيره، لكن ربما الغاية من الحياة عموما هي إستغلال لحظاتها لإيجاد المتعة والاستمتاع بها كل ما أمكن ذلك ممكنا.

31/12/2019 مدريد، إسبانيا.