الطبيعة تقول أن القاعدة في الحياة أن الظاهر يرتبط بالباطن ولكن الاستئناءات على تلك النظرية زادت إلى حد جعل العامة من الناس يتشتتون في معتقداتهم وأفكارهم .

عندما تنظر إلى أحد الـأـشحاص فإن أول ما يلفت انتباهك هو مظهره الخارجي وأكثر ما يعتيك هو تعبيرات وجهه ، وفي غالب الأحوال يحكم الناس على الإنسان من خلال وجهه ونظرات عينيه حيث يبدو على بعض الوجوه البراءة والبعض الآخر القسوة وفي أحوال محددة قد يحكم الناس على شخص ما بأن ملامحه تحمل إجرام وبلطجة ، وتلك الاعتقادات ربما تصدق غالبا ولكن أحيانا تكون كاذبة لأن هناك وجوه بريئة ترتكب جرائم قتل والسجون الجنائية خير دليل على ذلك .

كثير من القواعد النظرية يتناقض جزئيا أو كليا مع الواقع ، فالأشكال الخارجية البراقة لا تحمل في داخلها دائما نورا ، بل إنها في أحيان كثيرة تحمل ظلاما دامساً ، ولهذا فلا تغتر كثيرا بالزهو الخارجي ولكن انظر إلى العمق الداخلي لأن القشور اللامعة ربما تخفي ضعفاً وسفاهة ، ولكن ذلك لا ينفي الأساس للبناء الذي يربط ظاهرك بباطنك لأن كثرة الخطايا والمعاصي تصنع في الوجه عبوسا وظلاما .

قد يمتلك بعض الناس شفافية وأحساس يرتبط بأفعالهم مما يجعل بعضهم يشعر بذنوبه ومعاصيه فيراها تطارده عندما يلاحظ ظلاما يظهر في وجهه ويسأل نفسه وهو ينظر في المرآة . كيف أصلح هذه القتامةوهل يمكن أن يعود النور والبراءة الى وجهي وعقلي . فتهمس نفسه الامارةبالسوء لتقول له أن الأمور ليست بالشكل الذي يراه وانه لازال على خير فإنه يعمل الخير ولا ضرر فبما يشعر به من انقباض وليدع عنه القلق بشأن تغير وجهه لأن ذلك ناتج عن إجهاد وخزن وسيختفي هذا الشحوب عن طريق العناية بالتغذية السليمة وأخذقسط وافر من النوم ولكن هيهات أن يتغير الحال بذلك لأن المعاصي لها ندبات لا تمحى بنوم وغذاء ولا يشفيها كيمياء ودواء بل تتعافى النفوس بسموها وتقربها إلى الله .

لازلنا كبشر نصدر الأحكام من خلال ظاهرها رغم كثرة الاستثناءات في عصرنا ، فقد ييصعب على الإنسان أن يتخيل صدور الرحمة والاخلاق من أصحاب المعاصي والعكس صحيح ، فإن البشر يستبعدون أن يلحقهم الخطر من الصالحين ( أصحاب الأخلاق الظاهرة) لأن البديهي أن شارب الخمر على سبيل المثال هو إنسان يرتكب كل المحرمات فيما يكون الرجل الصائم القائم هو صاحب الفضائل والمثل ، والحقيقة أن ذلك هو الأساس في الحياة وهو ما ينبغي أن يسير عليه الحال لأن النوايا الداخلية ترتبط بالظواهر الخارجية ولكن الاستثناءات في ذلك ربما تصيب المجتمع بالجنون ، فقد نرى شارب الخمر مجاهدا في سبيل الله ونصطضدم لنرى شابا صالحا يهرب من المعارك ، وربما ترى راقصة تنقذ أطفالا من الجوع وتجد عفيفة تلقي بأطفالها إلى الشارع لكن في نهاية الأمر تبقى تلك الأمور رغم كثرتها في العهد الحديث هي في مجملها استثناءات على الأصل .

الطبيعة تفرض تشابك الأعماق مع الظواهر ، وتجبرنا في كل الاحوال أن يكون ظاهرنا معبرا عما يجول في نوايانا وخواطرنا الداخلية ، فكيف نتحدث عن العدل وتحدثنا أنفسنا ألا نحاول تطبيقه ، وكيف يمكن أن نكذب ثم نحدث أنفسنا عن الصدق ، فالمحيط الهائج يحوي داخله كل الغرائب من أسماك القرش والحيتان وكذلك تعيش الكائنات البحرية المتنوعة بداية من كائن الحبار الى الاسفنج والعناكب البحرية والسنجاب المطاطي ، أما الأنهار فإن الاعماق لا تحوي التنوع الكبير الذي تحويه المحيطات لأن النهر ظاهره هاديء كباطنه وهي النظرية التي تفرضها الطبيعة ، لكن كل قاعدة ولها شواذ وسبحان الله العظيم الحليم.

 ·