الشخصية هي ما يميز شخص عن شخص آخر

وهذه الحقيقة واحدة سواء في علم النفس والاجتماع,أو في الأدب والسرد الأدبي أو التاريخي أو حتى الإعلامي. فالشخص هو مجموع السلوكيات المعبرة عنه,عن نفسه أو عن شخصه. والشخصية هي القلب الحاوي لهذه السلوكيات التي قد يعدل عليها ويطور فيها الشخص بوصفها كائن فريد ومركب ومتغير ومالك لأمره.

ويتم تعيين هذه السلوكيات في قوالب أصغر,دون أن تفقد حيويتها,وهي الصفات.

يتم التعرّف على هذه الصفات / السلوكيات من خلال مراقب يكون هو الشخص ذاته,أو أي شخص آخر من المحيط حوله,أو القارئ في حالتنا هذه. ومن هنا تظهر العلاقة اللغوية بين الشخصية,والمصدر (شخص) في العربية يأتي بمعنى برز بين ما حوله,أو بدا من بعيد -ومنه جاء شخوص العين أي بروزها أو جحوظها- والإنسان بعيد عن الإنسان بحكم أن لا أحد يعي ما بدواخل الشخص الآخر. لذا يتم الحكم على الشخص الآخر,أو تقييمه,أو تكوين مشاعر تجاهه,أو ضبط آلية التعامل أو التفاعل معه من خلال شخصيته المتمظهره بشكل واضح في سلوكه. هذا السلوك هو المكون لصفات المرء والمتفاعل مع صفاته الجسدية والنفسية.

قد تكون الشخصيات في القصة بشرا أو حيوانات أو جمادات أو كل ذلك. وقد تكون شخصيات خيالية لا وجود لها في أرض الواقع مثل الوحوش والأشباح،أو هي مزيج ما بين أجزاء واقعية وأخرى متخيّلة,مثل الإنسان الآلي والمخلوق الفضائي,وأيضا مثل الوحوش لأنها مكونة من أجزاء مستمدة عن وحوش حقيقية موجودة,كالتنين هو مزيج بين زاحف وطائر. أو مثل الرخ,فهو عبارة عن نسر عملاق إذا فرد جناحيه حجب عين الشمس. كذلك الأشباح هي عبارة عن فكرة استرجاع للموتى,وهي فكرة تنتج لنا العديد من الشخصيات الميتة مثل الزومبي والأشباح والخالدين والمتناسخين والمستنسخين والمعاد إحياؤهم وحتى مصاصي الدماء. في الواقع,الإنسان يعجز تقريبا عن خلق أي شخصيات جديدة خارج إطار الواقع. لهذا يعد التمسك بالواقع أثناء تصميم وتطوير الشخصيات منجاة للكاتب من الوقوع في الهزل أو السطحية.

الشخصيات في القصة لها سماتها وملامحها التي يرسمها القاص،هذه السمات تعتمد بالضرورة على مرجعية سردية أو بصرية تتغذى من السمات الإنسانية. هنا يلعب الكاتب على الحافة,لأنه مضطر للتقيد ببعض ضروريات الكتابة التي تفرض على الشخصيات إنسانيتها. وفي نفس الوقت,يجب أن يبتعد عن أي نمطيات مكررة,رغم أن البشر من ضمن سماتهم الأساسية,أن أفعالهم تسير في مسارات وسلوكيات نمطية مكررة.

ولكن هناك ثلاث خصال يتميز بها الكائن البشري؛التفرد في السلوك (رغم نمطياته),والوعي بالذات,والقدرة على الحكم أو اتخاذ القرارات. ويمكن أن نضيف إليهم عجلة العمر البشري.

التفرد قائم بالفعل (سواء عبر آليات تكوين ذاتية أو بيئية أو وراثية),وهذا ما تثبته أي إحصائية اجتماعية أو أي نظرة تاريخية على شخصيات التاريخ. أو حتى لو ألقينا نظرة على الواقع السياسي اليوم,نجده متخم بالشخصيات والصراعات التي تستحق كل واحدة قصة لحالها. لهذا يقال المسرح السياسي,وهو قول ليس من فراغ.

ومن خلال الوعي بالذات والقدرة على الحكم (الحرية المطلقة للإنسان) يمكن للشخصية أن تتطور بشكل لا واع أثناء تفاعلها مع المحيط والأحداث والمجريات في حياتها.

لهذا يشدد النقاد على ضرورة تأصيل الشخصيات من خلال إضفاء وإضافة السمات الإنسانية عليها. فحتى الحيوانات والأشياء أو الجمادات,وحتى تلك المخلوقات الأخرى الغير بشرية,تكون بالضرورة شخصيات مؤنسنة أو مشخصة. لأنها كائنات عاقلة,ناطقة,ولها مواصفات خاصة,ومتفاعلة مع سير الأحداث. ولا يوجد أي شخصيات جامدة إلا في حالات خاصة جدا يندر أن يسلكها أحد محافظا على إبداعه. فحتى القصص عن الإنسان الآلي المكلف فقط بأداء مهامه,لا يتوفر لنا قصة إن لم تبدأ الآلة في تكوين وعي ذاتي وتستقل عن السيطرة البشرية.

لهذا أيضا يرى العديد من الناقد بضرورة اعتماد الكاتب المحترف أن يحافظ على تسلسل منطقي متماسك من خلال تطوير الشخصية. هذا التطوير لا يمكن أن يحدث إلا عبر ستة وسائل (ابتدائية) أحصيتها بنفسي أثناء خبرتي الطويلة

منها أن يحرص على أن تكون الشخصية في جانب معين من الصفات,وتنعطف بأخلاقياتها وعواطفها وأفكارها إلى جانب آخر قد يكون بعيدا عن الشخصية التي كنا نعرفها في أول الرواية أو العمل الأدبي. وكلما زادت المسافة بين الجانب والجانب الآخر من الشخصية كلما دل هذا على عبقرية الكاتب بحسب التزامه في التسلسل المنطقي الذي أدى إلى هذا التحول. في فيلم العرّاب عن رائعة ماريو بوزو بنفس الاسم,تحول مايكل كورليوني من إنسان قويم إلى النقيض تماما. فهو قد أصبح الزعيم التالي لعائلته بعد أباه,وبشكل غير متوقع,ولكن غير منطقي. التحول من النقيض إلى النقيض أمر نادر في الأدب,وشيء يدعو للعجب.

وعموما يصعب جدا على الراوي إضافة أي تغييرات أو تعديلات على الشخصية دون أن تبدوا هذه الإضافات وكأنها مقحمة أو محشورا حشرا في القصة. لذا ينصح المخرج ج ج أبرامز JJ Abrams في محاضرة له بعنوان صندوق الغموض The mystery box طريقة جيدة لتحريك الأحداث وتطوير الشخصية بشكل منطقي. وهو أن توسع المساحة بين ما يعرفه القارئ عن الشخصية وما لا يعرفه. وهذه طريقة ثانية. لأن القارئ لا يعرف الكثير عن الشخصية,لذا يمكنك إضافة ما تريد من السمات بمزيد من الحرية.

والتعبير يسبق التغيير

يمكن التعبير عن الشخصية من خلال أربعة تمظهرات يصفها أو يعرضها الراوي,والأربعة تسير على سلم من الأكثر التصاقا بالشخصية إلى ما نعرفه عنها,وما يعرفه الشخصيات المحيطة بها. لأننا نشهد على ذلك.

1-إما جسدها وحركاتها والمظهر الخاص بها.

2-وإما أفكارها الخاصة ومشاعرها التي لا يعرفها سواها

3-أو الكلمات المنسوبة لها أو المنطوقة على لسانها

4-أو أفعالها وفيها أوضح صفاتها

هذا التعبير عن الشخصية يحدث عبره التفاعل بين الشخصية والشخصيات المحيطة بها. هناك نصيحة ثالثة,لها استثناءات بالطبع,ولكنها الحاضرة في أغلب الحالات,وهي ضرورة توفر ثنائية البطل والشرير ببساطة من أجل توليد صراع بين شخصية وأخرى. ولا يحدث الشرّ من باب الأذية وخلاص. لا,بل إن الصراع هو هدف يريد شخص تحقيقه,وشخص آخر يريد تحقيق هدف آخر. ولكن المصالح تتعارض,ونوايا هذا الشخص قد تبطل أغراض البطل إذا تحققت. فلا أبطال ولا أشرار هنا (أو هكذا تكون القصص العظيمة).

وكما قال أديب عظيم,للأسف لا أذكر اسمه,لا وجود للشخصيات الثانوية في العمل الأدبي, بل إن الشخصية هي الفرعية,هي بدورها شخصية رئيسية في عالمها,ناهيك عن دورها في تحديد ملامح الشخصية الرئيسية. وانظر حولك وتأمل. هذه هي النصيحة الرابعة. كان لي -ولازال- عادة طريفة أن أجلس على الطريق أشاهد تدفق العربات والسيارات والحافلات أمامي. وأتخيل قصة خاصة بكل راكب,سواء كان ذلك الثري الذي يقود عربته المرسيدس (وربما اشترتها له أمه كما يقال) وبين ذلك الرجل المنهك القادم من يوم طويل ومتعب جدا من العمل يحاول التعلق بالناس على عتبة باب الحافة المزدحمة حتى التخمة. مع العلم أن هذه مجرد صور نمطية بينما الواقع ربما يكون مختلف,ربما سائق السيارة المرسيدس هو مجرد سائق يعمل لدى أحدهم. وربما الرجل العامل هو رجل لديه ثروة هائلة ولكنه يبخل على نفسه وعلى أهله,وقد رأيت بعيني نماذج مثل تلك وذاك. مع ذلك تظل هذه أيضا صور نمطية. حسنا الرجل,ذلك المعلق هو لص أو عفريت أو هو غير موجود أصلا,وربما تتخيله هند الفتاة البائسة العائدة من العمل,واليتيمة تتخيل نفسها في البيت بينما أبوها هو هذا الرجل,وهو من يأتي بالطعام. ولكن أبوها غير موجود للأسف. أما سائق المرسيدس فقد يكون بطل خارق,أو عميل سري,أو إنسان آلي يتم تجريبه وسط البشر بشكل سري. أو رجل أصيب ثلاثة من أفراد عائلته بالسرطان,زوجته وشقيقه وولده -أبوه حي ولازال معافى تصورّ!- وكان غنيا لكنه فقد كل ثروته حين غرق بالعلاج وتكاليف العلاج لأحباءه الثلاثة. هو الآن يفكر فعليا في التخلي عن أخيه,كان عاطلا طوال عمره,ولم يساعده يوما في تكوين ثروته,مع ذلك أحبه,لكن زوجته وابنه هم أولى منه بكل قرش معه,وربما يحتفظ أخيه ببعض المدخرات يساعد نفسه بها. هو الآن ذاهب لزيارة زوجته في المستشفى,أو لبيع سيارته,أو للموت على الطريق,لأن الحزن والألم يكادان يقتلانه ويعميان بصره. هذا ما فعلته أنا,حسنا هل تستطيع أنت عزيزي القارئ / الكاتب أن تختلق قصصا وتصورات مغايرة,اعتبر هذا تدريبا.

وهذا يقودنا إلى النصيحة الخامسة,وربما المسار الخامس,وهو أن الأدب,ومن يقرأ الأدب يهتم فقط بما يثير اهتمامه. لذا لا يمكن مثلا أن نقول أن سائق السيارة هو رجل عائد إلى منزله. هكذا فحسب!. وماذا في ذلك؟. لا يقتصر الأمر على تحفيز قدراتك التخيلية لخلق تصورات مغايرة أو غرائبية. فحتى لو تقيدت بالواقع تماما,لا يعني هذا أن تنقل لنا التوافه من الأمور. فما يعنيني في رجل يقود سيارة,أنا أشاهد هذا كل يوم. بل وتصدق,أنا أيضا لدي منزل أعود إليه كل يوم.

نصيحة سادسة مهمة,دائما تخيل مأزق,ثم مأزق أشد صعوبة من سابقه,ودائما اخرجه من هذه المآزق,فلو نجحت في ذلك,مع الحفاظ على تيار الأسباب والنتائج منطقيا,فأنت كاتب حقيقي. وكان ستيفن كينغ يحب أن يلعب هذه اللعبة كثير (الأسوأ لم يأت بعد). وحتى إن أتى وحتى لو لم نكن مستعدين له. عليك أن تنقذ بطل قصتك,أو تقتله في النهاية,لا يهم.

لهذا نحن نخلق الصراع في القصة إما بين الشخصية والطبيعة,أو بين الشخصية والمجتمع, أو بين الشخصية وشخصية أخرى,أو بين الشخصية ونفسها (الصراع الداخلي).

كل هذا ينقلنا إلى شخصيتك أنت في العمل الأدبي,وهي ثلاث أنواع رئيسية

1-الراوي

الحادثة هي عبارة عن مجموعة من الوقائع الجزئيّة والمنظمة في القصة. والسرد ينقل هذا العنصر القصصي من صورتها الواقعية إلى الصورة اللغوية,على حد تعبير عز الدين إسماعيل.

2-الكاتب

هو من يبني القصة ويحدد على الراوي رؤيته السردية بحسب العلاقة بين الراوي والشخصيات الروائية,كما يلي

1-الرؤية من الخلف: حيث تكون معرفة الراوي أكثر من معرفة الشخصيات الروائية.

2-الرؤية الملازمة: هي الرؤية التي تتصاحب فيها معرفة الراوي بمعرفة الشخصيات.

3-الرؤية من الخارج: هي الرؤية التي تكون فيها معرفة الراوي أقل من معرفة الشخصيات.

كما أنه يحدد جهة الخطاب,وهي كما يلي

-ضمير الغائب وهو الأكثر شيوعا,يتحدث عن الشخصيات,عنها,من بعيد.

-ضمير المتكلم,يكون فيه الراوي هو بطل الشخصية يتحدث عن نفسه (أنا).

-ضمير المخاطب,وهو الأقل استعمالا,يتحدث فيها الراوي إليك (أنت).

لاحظ أننا هنا نتحدث عن الراوي لا الكاتب,ولكن الكاتب هو من يحدد سير الأمور في النهاية.

3-أنت

وهذه الشخصية,هي غير الكاتب,هي شخصية معاشة,ربما مرت بتجارب يمكنك الاستفادة منها بسكبها في قصتك.