كل الثورات التي حدثت على وجه الكرة الأرضية ما هي إلا تنفيس لبالونات مجتمعية قابلة للانفجار في أي لحظة. مجتمعات كانت مسالمة مطيعة ومتأملة أن تجني حصاد الطاعة يوماً ما، مرت السنوات دون أن تسترد ولو جزءاً يسيرا من الثمار التي كانت هي سبباً في ازدهارها ونموهاَ لتذهب تلك الثمار الناضجة إلى المتخمين من أفراد ذلك المجتمع.

لاشك أن صورة الثورات التي لمعت في ذهن القارئ هي خروج الناس للشارع مع الهتافات المتكررة والترديد المستمر التي اعتدنا رؤيتها في كل مكان حولنا، ليست تلك هي الصورة الوحيدة للثورات فهناك أيضاً ثورات فردية نفسية داخلية ترغم الثائر على التنفيس قبل الانفجار، ثورة يتبناها الإنسان بشكل فردي ويصنعها وحده عندما تُخدش كرامته. ثورة عارمة تسبب غضباً فجائياً مُحيراً، تعكس هدوءاً طويل الأمد بات ينهش في روح الثائر حتى أوشكت تلك الروح على التلاشي والاختفاء فيرممها بثورة آملاً أن يستعيد ما فقد.

لستُ ضدَّ الانتفاض للكرامة ولكني ضد الثورات الفردية غير الواعية التي تحدث متأخرة وفي الوقت غير المناسب. فلا يجني منها صاحبها سوى المتاعب وفقدان الأمل فينتكس ويعود بِخُفي حُنَين خائباً مدحوراً.

تتعدد الأهداف والطموحات لدى الشخص ويندفع لتحقيقها وإذا بالسلبيين والمحبِطين حوله _وخصوصاً من لهم ولاية عليه_ يقفون حجرَ عثرة في طريقه لأن ما أراد تحقيقه لذاته لا يتوافق مع أطماعهم الشخصية وأنانيتهم أو لأنهم يخافون من الإقدام وليس لديهم الشجاعة والجرأة أو لا يثقون بمن حولهم، فيبدأ مشروع وأد الفكرة قبل أن تُولد وترى النور. عندها تصبح الثورة الواعية واجبة انتصاراً لتحقيق ما نحب ونطمح إليه وأقول وأؤكد على أهمية أن تكون واعية لتؤتي أكلها في حينها.

كيف يكون ذلك النوع من الثورات الشخصية؟

لغة الحوار واحترام الرأي الآخر من شيَم المجتمعات المثقفة الراقية، فنحن بحاجة للغة حوار لنقول “لا” لكل مالا يناسبنا. فليس عيباً أن نرفض ما لا يتوافق معنا بل من الخطأ أن نقبله رغماً عنا بحجة احترام الآخرين، فهذا حق من حقوقنا لابد أن نتمسك به، فلن يحترمنا الآخرون إن لم نحترم أنفسنا ونقدرها، وليس عيباً أن نقف في وجه من يؤذينا ونرفض الأذى والذل فلم يخلقنا الله سبحانه وتعالى لإذلال بعضنا البعض بل خلقنا عز وجل لما هو أعظم.

فليس من حق أي إنسان كائن من كان أن يتجبر على الآخرين، لماذا نعطيهم تلك الفرصة ونصل حد الانفجار ثم نضطر لاستخدام أساليب التنفيس؟ نستطيع أن نضع الحدود من البداية وندافع عن أفكارنا وقناعاتنا بكل وعي واحترام لأنفسنا والآخرين. تلك هي الثورات الواعية التي تكون واضحة الهدف ولا يُؤذَى فيها أحد. هي الثورة الهادئة التي تضمن لك حقوقك دون أن تخسر شيئاً.

معايير الوعي

وبما أن الثورات لابد أن تكون واعية فهناك معايير للوعي فليس كل طُموح وهدف يستحق السعي من أجله. أهم ما يمكن أن يصف الهدف بالواعي ألا يكون مخالفاً للكتاب والسنة وتكون أهدافنا خدمة لنا وللمجتمع نحقق فيها غاياتنا وما نصبو إليه. الأمر سهل ليس فيه أي تعقيد، علينا أن نلم شعث أنفسنا ونبدأ بوضع خطة لتحقيق الأهداف ومن ضمن الخطة وفي بند منفصل نرسم كيف سنتعامل مع أولئك أعداء النجاح، فهم من الشخصيات الأساسية في دراما الثورات.

ولماذا الثورات الشخصية؟

قد تفرض الثورات نفسها بشكل مُلِح عندما يشعر المرء أن كرامته تناثرت في كل مكان وأنه أصبح دمية في أيدي من انشغلوا بتأطير حياته كما يحبون لا كما يريد. وقد تحدث الثورات عندما يجبر الشخص على فعل ما لايريد. التعبير عن الثورات قد يحل المشكلة ويمنعها من التفاقم، أما التي تبقى حبيسة الصدر فتلك التي تنهش الروح من الداخل وتتآكل معها النفس فلا يشعر صاحبها بمعنى للحياة. عندها تصبح الثورات إيجابية وواجبة.

وأخيراً ليس كل "نعم" إيجابية ففي بعض الأحيان نقولها ونحن نعلم أنها ستسبب خسارات في ذواتنا، في تلك اللحظة "لا" هي الأولى.