في العام الماضي، بينما اتصفح فيسبوك وجدت منشوراً طويلاً لكاتب أتابعه يحكي فيه عن تفاصيل كتابة روايته التي كتبها في مدة أربع سنوات كاملة، فانتابني الفضول لمعرفة تلك التجربة ورحت أقرأ المنشور، وجدته يقول أن كتابة الرواية لم تكن سهلة عليه على الإطلاق حيث أنه دائماً متقيد بالإلهام والإلهام كالوحي لا نطلبه بل يجيئنا، ويقول أنه لا يقبل على الكتابة إلا إذا شعر بأنه يكتب بمفرده وبنفس شبه طائرة ومحلقة بكل حرية..

في الحقيقة صدقت ذلك الكاتب حينها ووجدت تبريراته لكتابة رواية من ٢٠٠ صفحة في أربع سنوات منطقية جداً، فالرجل أسير إلهامه ومن المؤكد انه تعب

ولكن مع أولى تجاربي الروائية توصلت إلى أن هذا الكاتب (كسول) وأن ذلك التأخر ليس بسبب قلة الإلهام بل بسبب قلة الجهد.

وهذا لأن الكتابة الروائية ورغم أنها فعلا لا بد أن تستند إلى موهبة حقيقية إلا أن كتابة الرواية لا يكون بالإلهام فقط، بل بالجهد، فالإلهام يمثل نسبة قليلة جداً من دفعنا للكتابة، بينما تكتب الرواية بالجهد الحقيقي والمتواصل.

يقول الكاتب المخضرم امبرتوا ايكو مؤكداً هذا الأمر:

"إن المؤلف يكذب عندما يقول لنا أنه يشتغل تحت تأثير إلهامٍ ما، إذ لا يشكل الإلهام سوى 20 في المئة، في حين يشكّل المجهود 80 في المئة "

لذا فإني لا اتعجب حين أرى كاتباً مجتهداً ينهي رواية كاملة في شهرٍ واحد. وهذا لأنه عوضاً عن الفكرة الرئيسية وبعض الومضات التي تلهم الكاتب للكتابة الروائية، فإن باقي عناصر الكتابة تعتمد على الجهد، فالشخصيات يلزم لرسمها جهد، وكذلك فإن السرد والحوار والوصف كل هذا جهد، وإعادة الصياغة وتجديد المسودات والتدقيق لغوياً ومعلوماتياً ومنطقياً كذلك جهد. بل إني لاحظت بينما أكون منهمكاً في الرواية، أن الجهد نفسه يلهم.. كيف؟

حيث أن معظم الافكار والإضافات والإلهام جائني بينما أكتب ومندمج مع الأحداث ومشغول بالرواية، وليس في حالة انقطاعي عنها.

ما رأيك أنت.. أيهما تستند عليه كتابة الرواية بصورة أكبر الجهد أم الإلهام؟ وما الفرق من وجهة نظرك بين الروائي الموهوب والغير موهوب؟