قبل سنوات كنت أكتب بشكل مستمر، وكنت أكره أن يطّلع أحد على ما أكتب وكأنني كتبت أسرارا أخشى أن تُفضح.

استمر الوضع لسنوات، ثم تطور الأمر من الخوف إلى النقد الذاتي السلب.

كلما أكتب أضع المجهر على الأخطاء والهفوات وأضخمها وأحكم على كتاباتي بالرداءة والسوء وتنتهي القصة بتمزيق أو حرق ما كتبت.

حدث معي في الثانوي حدثٌ غريب، حين أخطأت وأعطيت صديقتي كراس خواطري ونصوصي بدل كراس مادة الفيزياء.

ركضت صديقتي في صباح اليوم الثاني نحوي وهي متحمسة ومتقدة وتقول لي لن أعيده لك، ساحتفظ به وانهالت عليّ بمديح وإطراء لا حصر له، أيعقل أن يحب أحدهم كتاباتي الرديئة بهذا الشكل؟

ازداد حجم ذلك الناقد حتى أصبح جلادي لا يتوانى عن تصيّد الأخطاء والعلل في نصوصي ويتغافل ويغضّ الطرف عن إبداعي.

هل يُعقل أن يتضخم الجلاد الداخلي لينهي مسيرة المبدعين قبل أن تبدأ؟

حسب سيغموند فرويد فإن الجلاد الداخلي هو الأنا العليا التي ترغب في تطورك وجعلك مثاليا، وتلك الأنا العليا غرست فينا منذ الطفولة بسبب إرشادات الأهل والمعلمين وأحيانا القدوات التي نتبعها.

لكن السؤال هنا، هل يقبع في الكاتب جلاد وناقد أيضا؟

لدى الجميع ناقد وجلاد لكن بأشكال متفاوتة حسب البيئة التي كبُر فيها.

وفي الجانب المشرق يمكن للكاتب أن يسخّر جلاده لصالحه، لكن كيف ذلك؟

يمكن للكاتب أن يبحث سبلا لإسكات الجلاد أثناء الكتابة، وعدم الاستماع إليه، ثم إيقاظه ساعة التحرير والتعديل، ولأنه يبتغي المثالية لاشك أننا سنصل إلى كتابة مميزة بعد التعديل والمراجعة.

مازال جلادي أقوى مني، لذلك إن أخذت برأيه قد أرمي نصي كله دون تعديل، فماذا عنكم؟