من منا لا يحن لطفولته وما تحملها من ذكريات جميلة ومبهجة للقلب.. كلما مر علينا شريط من الاحداث المماثلة لما كنا نعيشه سابقا إمتلكنا امتنان لأنفسنا ...ومع ذلك كل واحد منا له تقييما شخصي حول ذلك نتيجة لما خاضه من تجارب شخصية ومواقف معينة.. هناك من يرى بأن الامر جميل ونحن نستحضر الذكريات بين الحين والأخر والبعض يرون بأن تذكر اللحظات الماضية هو تشبت بالحياة السابقة وحصر للعقل في مسارٍ لا يجعله ينظر للحياة من زوايا مختلفة.

ولكن مع كل ذلك هناك فئة من الاشخاص يشعرون بلذة وهم يتحدثون عن احداث قد مضى عليها قرابة سنة ..تجدهم يحللون ويفسرون كأن الحدث أنيا، في حين يتجاهلون ما يمر عليهم حاليا أو ينسحبون منها قبل الوقوع في المواقف الحالية خوفا مما سيصادفونه في طريقهم.

وفي هذا الصدد، قد نجد آلي لوندي يصرح ب: "إنه لأمر غريب كيف أننا نتمسك بالأشياء التي حدثت في الماضي في حين لا زلنا ننتظر ماذا سيحدث بالمستقبل".

عندما نسترجع الماضي فنحن في الغالب نوظف إحدى التفكيرين، إما: 

  1. تفكيرنا يكون الانتقائي نتذكر كل شيء إيجابي ولحظات ممتعة، في حين أننا نتجاهل أخطاءنا والثغرات التي وقعنا فيها، لما يحدث ذلك يا ترى؟
  2.  تفكيرنا يكون عاطفيا وذلك من خلال تحليل الامور وفقا لما يروق لنا وطمئن اتجاهه، ونحكم على كل ما مر علينا من احداث ماضية عاطفيا ووفق لأحاسيس التي تغمرنا في تلك اللحظات.

قد يتساءل القارئ، وماذا عن الناستولوجيا إذن؟ 

يعد الناستولوجيا اضطراب نفسي يمتلك الأشخاص المتشبثين بالماضي ويشعرون بالحنين له، وقد ظهر هذا المصطلح بعدما لاحظ يوهانس هوفر بعض من الأعراض المرضية الذي ظهرت على العمال المأجورين السويسريين المغتربين عن أوطانهم والتي تبين من أهم أسبابها الشوق والحنين إلى الوطن : أرق وعدم انتظام ضربات القلب، وعسر هضم.

ولكن الغريب في الامر حقا، عندما فسر بعض علماء النفس بأن الحنين للماضي مهم للصحة العقلية والنفسية، وأسلوب ناجح في محاربة كافة امراض النفسية كالاكتئاب وضعف الشخصية ويحدث ذلك من خلال أن العقل يستخدم اليات دفاع متعددة من اجل تحسن الحالة النفسية التي من بينها استرجاع الماضي. ولكن ماذا عن الاشخاص الذين عايشوا في الماضي غير التجارب المأسوية ؟

لا يرتبط الحنين للماضي بالأماكن التي كان الشخص جزءا منها، وانما قد نشعر احيانا بالحنين للاماكن التي شاهدنا عبر فيلم أو قرأنا عنها في رواية ما أو رأينا صورا لأماكن عبر سوشيل ميدبا وتحسرنا لعدم زيارتنا لها بعد وحنينا الشديد لذهاب إليها. ويؤكد كارسون مكولارس بأن نوع من هذا الحنين يحدث بقوله: "يمتلك البعض الكثير من الحنين للأماكن التي لا يعرفونها مطلقاً"

وماذا عن الناستولوجيا الكاتب؟ 

أرى بأنه إلزامي على الكاتب أن يوظف الماضي في نصوصه، فبعض الاحداث الحالية تأتي نتيجة لتجارب سابقة ولحظات ماضية يسترجعها الكاتب حتى يضع قراءه بالقرب منه، ولو لم يتعمد الكاتب ذكر ماضيه إلا انه سيشعر بانزلاق لقلمه وهو يتسلس في ذكر تفاصيل حدث سابقا معه، وعليه الأفعال الماضية والأحداث السابقة يلازمان الكاتب في كل حرف يخطوه حتى يستقيم المعنى الذي يريد إيصاله.

والكثير من الكتاب من يتعمدون على البقاء في دائرة الماضي وعدم الخروج منها بغرض كسب عطف ورأفة قرائهم عليهم .

ومهما كنا نعتبر بأن الماضي جزء لا يتجزأ من حياة كلمات الكاتب إلا أن الادمان في استرجاع الذكريات والمبالغة في ذلك قد جعل منه غير مواكبا للأحداث الأنية التي تحيط به والتي تستحق هي أيضا أن ينظر اليه ويوظفها لصالحه، لذلك لابد أن يوازن بين توظيف الناستولوجيا للعودة للماضي وبين الخيال في رسم قصصا إبداعية يؤثر بها على القارئ.

وماذا عنكم يا أصدقاء، هل ترون بأن توظيف الناستولوجيا أمر ضروري للكاتب لتأثير على القارئ؟ أم ترون أن هناك طرق أخرى أفضل يتم اعتمادها؟