الإنسان العصري .. ما الذي يميزه عن التقليدي ؟

إن أعمق الصفات الطبيعية للإنسان العصري هي أن يتجاوز نطاق ذاته، ويتسم بروح التطور اللانهائية.

  • عالم الإجتماع الأمريكي دانيل بيل

يتصور بعض المتفائلين من العلماء أنه سوف توجد أعدادا كبيرة من المواطنين الناضجين الذين يتحملون المهمة الشاقة للمستقبل، ويتمتعون بمبادرة الاشتراك في السياسة، والجرأة على التخيل كما أن لديهم إيجابية تطوير الثروات البشرية والمادية في المجتمع. وهؤلاء المواطنون الفاعلون اجتماعيا هم من يمثلون الإنسان العصري.

وأما ما يقابل الإنسان العصري فهو الإنسان التقليدي الجامد المقيد المنغلق، فهو جامد لأنه توقف عند نقطة في الزمن الماضي، يظن أنها هي الأمثل للحياة، وهو مقيد بأفكار وتقاليد أسلافه فيعيش أفكارهم ويحاول أن يعممها على المجتمع ولو كان ذلك بسلطة القوة والعنف، كما أنه منغلق على نفسه، يتجنب الآخر ويحذر منه ومن كل ما من شأنه أن يفتح آفاق المعرفة والتقدم والتطوير فهو لا ينتج شيئا إلا مزيدا من التحفظ والانطواء على الذات المتحجرة البالية.

وقد حاولت فروع العلوم الإنسانية، خاصة علم الإجتماع، أن تبلور نظريات متنوعة في سبيل استكشاف ملامح وصفات الإنسان العصري، نذكر منها ما قدمه عالما الإجتماع الأمريكي أليكس إنكلز والألماني بلينتا.

أما عالم الإجتماع الأمريكي أليكس إنكلز فقد لخص الملامح الرئيسية للإنسان العصري في اثنتي عشرة ميزة، وهي:

  1. يتسم الإنسان العصري بالاستعداد والرغبة في قبول خبرة الحياة الجديدة ومفاهيم الأفكار الجديدة وأسلوب الأعمال الجديدة التي لم يشهدها من قبل، وعند مقارنته بالإنسان التقليدي نجد أن الأخير لا يرغب في قبول الأشياء الجديدة والأفكار الجديدة.

  2. الاستعداد لقبول إصلاح المجتمع وتغييره، فالإنسان العصري يستطيع أن يتقبل بسرور إصلاحات وتغييرات المجتمع المحيط به، ويتقبل بحرية أكبر فرص التعبير التي كانت محظورة على غيره ويتمتع بها الآن، لذلك الإنسان العصري ليس مكابرا ويسعده أن يواجه تحقيق التغيير. وبالنسبة للآخرين ينتهج الإنسان العصري أسلوبا غير تقليدي في التفكير وإنجاز الأعمال والتغيير ولا يتدخل بوقاحة في شؤون الغير. وباختصار، إنه لا يتشبث كثيرا بالتقاليد.

  3. يتميز الإنسان العصري بتسلسل الأفكار في اتساع الأفق والعقل المفتوح والاحترام والرغبة في التعايش مع الآراء المتباينة في كل الجوانب. ولا يظهر الإنسان العصري رأيا ذاتيا للبيئة التي يعيش فيها مباشرة فحسب، بل يستطيع أن يقدم أفكاره حول الشؤون الخارجية وشؤون البلاد الداخلية أيضا، ولكن التقليديين يهتمون فقط بالأشياء القليلة التي تحقق مصالحهم الشخصية الحيوية.

  4. يهتم الإنسان العصري بالحاضر والمستقبل، عصريا تارة، وتقليديا تارة أخرى. ويتمتع بالمفهوم العميق لأهمية الوقت، ويسعده أن يرى أمام مرمى البصر الحاضر والمستقبل، ولا يرغب في التمسك بالتقاليد والماضي، كما يستطيع أن يرث على أحسن وجه التراث الجيد من التقاليد من جهة، ومن جهة أخرى يستطيع أيضا أن يتحرر من قيود الأشياء القديمة التي فرضتها التقاليد.

  5. يتمتع الإنسان العصري بالإحساس الذاتي القوي والفعال، حيث إنه مفعم بالثقة في قوة الأفراد المجتمع ويهتم بتحقيق الفاعلية في إنجاز الأعمال.

  6. التخطيط، إذ يميل الإنسان العصري إلى وضع خطة طويلة الأمد في الحياة العامة وفي حياته الخاصة.

  7. المعرفة، حيث يهتم الإنسان العصري بالتفكير في حقائق الأمور، ويبذل أقصى جهده في سبيل كسب المعرفة عند تكوين الأفكار أو الآراء الخاصة بالعالم المحيط به. إن تشكيل الأفكار والآراء لدى الإنسان العصري قائم على هذا الأساس، ويتحمس لاستكشاف المجالات التي لا يعرفها. ويسود المعاصرين جو مفعم باحترام المعرفة.

  8. يمكن الاعتماد على الإنسان العصري ولديه الإحساس بالثقة.

  9. يهتم الإنسان العصري بالتقنيات المتخصصة حيث يتمتع بأساس نفسي قوامه الرغبة في أن يتقاضى الأجور المختلفة حسب ارتفاع مستواه.

  10. يرغب الإنسان العصري عن طيب خاطر في أن يجعل ذاته والأجيال القادمة أن تختار الوظائف البعيدة عن احترام التقاليد، ويتحدى موضوع التربية والتعليم وحكمة التقاليد.

  11. يتميز الإنسان العصري باحترام الذات، والتفاهم والاحترام المتبادل مع الآخرين.

  12. يدرك الإنسان العصري الإنتاج والعملية الإنتاجية.

وأما عالم الاجتماع الألماني بلينتا R. Bellenttaفقد قدم الملامح الرئيسية للإنسان المثالي في عصر التغيير المستقبلي وعصر التقدم الثقافي في الجوانب الخمسة التالية:

  1. الإنسان العصري واع وقادر على استخدام الطرق العلمية لمعرفة الظواهر الفيزيائية والاجتماعية.

  2. الإنسان العصري ناضج ويستطيع التخلص من القيود التقليدية، ويتمتع بالبحث المستقل في الحياة.

  3. يتحلى الإنسان العصري بروح الإبداع، بمعنى أنه يرى أن العال