عائد الى حيفا رواية لــ الأ ديب الفلسطينى غسان كنفانى صدرت طبعتها الأولى فى عام 1969م والتى ترجمت فيما بعد الى عدة لغات منها اللغة اليابانية والروسية وحولت الى عمل درامى ومسرحي .
هى عبارة عن جرح غائر لوطن عاشها غسان كنفانى وسردها فى رائعة أدبية وملحمة انسانية عربية خالصة تحوى مأساة ولحظات قهر عاشها الشعب الفلسطينى بعد ان تسربت رائحة الهزيمة من جميع نوافذ الوضع المأساوى بعد حرب 67 والوعى الجديد الذى بدأ يتكون آنذاك .
تتبلور الرواية حول مأساة سعيد س وزوجته والتى تبدأ الاحداث عندما اشتد الوضع واستمرار القصف الصهيونى على الشعب الفلسطينى والذى أدى الى هروب سكان حيفا والبلدان المجاورة وسقوط المدينة فى أيادى العدو الصهيونى ، ترك سعيد وزوجه ابنهمها " خلدون " الى مصيره المجهول وهو فى الشهر الخامس من عمره وحيداً فى المنزل ويفروا من القصف نزوحاً معآلالاف الأسر خارج حيفا لتعيش الأسرة 20 سنة مليئة بالوجع والحسرة الى أن جاءت الفرصة لللعودة للمدينة بعد عشرون عاماً بعد سماح العدو ، قررا العودة الى حيفا ثم مفاجأة جلبت لهم روح الهزيمة والأمل معاً حيث ابنهم خلدون الذى أبى أن الاعتراف بهمها أباً وأماً وبفلسطين أرضاً وشعباً .
تحكي المعاناة و الألم - قِصَة أجيال و حكاية شعب و أُمَة ، كيف عاد و عادت ذكراه للمكان : الحرب ، الحب ، الوطن ، الهجرة !! مشاعر لاتوصف و مايفوق الوصف حكاية الأبناء بين (فدائي) في مقاومة الوطن و (جندي في جيش الإحتلال) .
الصفات كلها يمكن ان تحصر فى بداية "الصفات" ونهايتها وهو حب سعيد لفسطين الأرض والقضية وازاحة كل ما دونها ، والذى وصل به المطاف فى النهاية أن " الانسان قضية " بعد زيارته لمنزله ومناقشته مع ابنه خلدون لتأخذه فيما بعد الى تجسيد فلسفي لمعنى الوطن .
سعيد بعد هذه المواجهة عاد حساباته، وبدل نظرته لما كان يحيا فيه، ويتأكد من أمور لم تكن حتى الآن قد وضحت لديه، وستتغير رؤيته للماضي والحاضر والمستقبل، الماضي الذي اصبح دوف اليهودي , والمستقبل الذي اصبح خالد ، فقد أصبح قادراً على اتخاذ القرار المصيري الذي كان يهرب منه، وهو حتمية المواجهة والمقاومة، أحسّ بخطئه عندما منع ابنه “خالد” من الإلتحاق بالمقاومة الفدائية التي تسعى إلى تحرير الأرض، خوفاً عليه من الموت، لكنه يدرك الآن أن هذا الموت لن يكون موتاً بل شهادة عزيزة تستعيد الوطن من هؤلاء المجرمين المستشرسين في صراعهم على هذه الأرض .
عائد إلى حيفا رواية تخلد في ذاكرة الزمن مفارقة الهروب من الحصار والقتل للجسد ولكنها تدخلنا في تساؤلات حول مصير الهوية والكيان والتاريخ ، وحق العودة والانتساب إلى هذا المكان حيث يظل الماضي من الحقائق التي لا تقهرها أصوات الجرائم وحرائق الحروب ومهما تصاعد دخانها فهو لا يحجب الفجر القادم.
"الإنسان قضية"
نعم، وقد كُنْتَها يا غسان، كما ينبغي للقضية أن تكون.
عائد إلى حيفا، فمن هو هذا العائد؟! أهو سعيد؟ أم خالد، أم أنا وأنت؟!
وما هو الوطن اذاً ؟كلما فكرت بالسؤال وجدت اجابة مختلفة
لكن توصلت انّ الوطن هو نحن ! نحن لا شيء بدونه , وهو لا شيء بدوننا .
الوطن هو " ألا يحدث ذلك كله " كما رد سعيد على زوجته صفية حينما سألته ببراءة عاجزة ما هو الوطن ؟! .
سيظل بيننا دوماً ولو عربي واحد يؤمن بثنائية غسان الموت والحرية، ويدرك أن الفكر سلاح أشد غزارة وقسوة يظل عامراً على مدى السنينفلسطين أكثر من ذاكرة وأكثر من خلدون وأكثر من غسان فمن رحم المعاناة تولد الحرية وحده اومن بطن الهزيمة ينبثق الأمل ، فالمرء السلاح يموت فى سبيلها كما كان غسان قولاً وفعلاً.
التعليقات