قرأت من قبل رواية عائد إلى حيفا لغسّان كنفاني، الرواية التي تستعرض قضيّة في غاية الأهمية، وعليه قررت مناقشتها لالتصاقها تقريباً في حياتنا العامة يومياً، اليوم في ظل العصر الحديث الرأسمالي الذي يقتضي للأب والأم أن يقضي كل أوقاته تقريباً في العمل وهناك حتى من يمتنع عن القدوم للمنزل لارتباطات سفر طويلة من أجل العمل وبقاء الأولاد دائماً وبالمدّة العظمى بين يد الجدّة أو المُربيّة، هل يحق أن نقول بعد سنين طويلة أننا كُنّا فعلاً فاعلين في مسألة التربية والولَد لنا؟ 

هذه الـ لنا ألا تقتضي كثير من الأوقات والرعاية المُباشرة؟ 

قرأت هذه الرواية للمرّة الثالثة على التوالي، كل سنتين تقريباً أقرأ هذه الرواية وأكوّن عنها فكرة جديدة، يستعرض كنفاني الموضوع بين الجهتين الجهّة التي ربّت خلدون وهي عائلة تقطن في الكيان الإسرئيلي والجهة التي أنجبت خلدون وتخلّت عنه بسبب ظروف صعبة، في أوّل قراءة لي كنت متحمّس جداً كأي شاب في مقتبل عمره، قلت فوراً بقلبي: الولد لمن أنجب خلدون، يجب أن تُرجعوا له ملكه، حقّه، ابنه! - في القراءة الثانية بدأت أفهم بأنّ خلدون ليس شيء وبالتالي ليس ملك، هو من لحم ودم ويجب عليه أن يختار بكل تأكيد مع من يريد أن يعيش. ولكن حين وصلت للمرّة الأخيرة كل شيء اختلف، بسبب ما أضفت ربما من خبرات وملاحظة في الحياة صار رأيي مختلفاً تماماً، الولد لمن ربّاه، الذي أطعم وسقى واعتنى وقام بالرعاية وسهر على مرضه وفرحه، هذا هو الأب الحقيقي وهذه هي الأم الحقيقية وبالتالي الولد يجب أن يكون دائماً للمُربّي.

وفي آخر ما توصّلت إليه التكنولوجيا تُطرح هذه القضيّة مرّة أخرى مع إمكانية الطب لبيع الحيوانات المنوية في بنوك المستشفيات الصحيّة، ليُعاد استخدامها في مساعدة عائلات أخرى تعاني من العقم مثلاً، تُطرح القضيّة مع مطالبات العديد منهم "أي الآباء البيولوجيين" لرؤية أبناءهم وتخييرهم في مسألة العيش، أي مع أي عائلة يفضّلون العيش! 

برأيي هُنا أنّ المُربّي هو الأب دائماً، بما سبق وبما أعرف لا يمكن أن أعترف بأيّ آباء وأمهات لم يبذلوا جهد التربية كاملاً (ليس الشقّ المادي منه فقط) الولد للمربّي دائماً، وأنت؟ هل تتفق معي أم أنّك تقيم أوزاناً أعلى لمسألة الرابط البيولوجي؟