يرفض بعض القراء الاطلاع على أعمال من يخالفونهم فكريًا، أو لديهم مرجعية مغايرة لما هم عليه وما يؤمنون به. ونجد هذا الأمر متكررًا ومتزايدًا عندما يشرع شخص ما بالاستشهاد بمقولة أو كتاب لمفكر من ثقافة أخرى، حيث يتم اتهامه بما لا يصح فقط لأنه يطلع على أعمال الغير.
أرى أن هذه المحدودية تطيح بهدف المعرفة وأسلوب اكتسابها، كما أنها تضع الحضارة في قالب جامد يرفض التجدد. فإن الخروج بالحضارة من القالب المتجدد القابل للتحديث إلى القالب الجامد الرافض للآخر، يُعد تناقضًا ومغالطة في استيعاب مفهوم الحضارة وغايتها.
كما أن اكتساب المعرفة يتطلب انفتاحًا متعقلًا على إسهامات الحضارات الأخرى، وفهمًا لطبيعتهم، وإدراكًا لاختلافاتنا الثقافية، فلا يكون ذلك عائقًا أمام التعلم والاستفادة مما صح أو مناظرة ومناقشة ما أخفقوا فيه. وهناك قاعدة رصينة تقول: "يُعرف الرجال بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال".
والشاهد في هذا، أن النهضة الحقيقية لا تتحقق بالانعزال عن الآخر، أو بالخوف من الاطلاع على إرثه الفكري. فما نتج عن ذلك إلا انقسام فريقين: الأول سحرته سطوة الآخر وبريقه الواهي؛ فأمسى مسخًا يقلده في ملبسه ومعاشه وأفكاره، وانسلخ من هويته ناكرًا لها حاقدًا عليها. والفريق الثاني محب لهويته معتز بثقافته، ولكنه يصبح ويمسي معلقًا بأحبال الماضي؛ فلا يملك للحاضر عتادًا ولا لمجابهة الفريق الأول حجةً وبيانًا. وهكذا، كفّت الحركة الفكرية عن جريانها وركدت مياهها، وبات إرثنا الحضاري عجوزًا يكابد ظلمة استعمار الأرض والعقل.
التعليقات