لطالما كنت أرى الحب في قلبها، أو هكذا كنت أظن. كنتُ الرجل الذي يظللها من قسوة الحياة، الذي يعود إلى منزله محملًا بالتعب، لكنه يحتمل كل شيء لأجلها....
كنتُ الرجل الذي يشتري لها الهدايا دون مناسبة، الذي يسهر الليالي ليضمن لها حياةً كريمة......
كنتُ الزوج الذي أحلم أن تكون لي زوجة تُحبني كما أحبها، تُقدرني كما أُقدرها، لكن الأيام كشفت لي أن بعض الأحلام لا تتحقق، بل تتحول إلى كوابيس.....
منذ زواجنا، كنت أشعر أنها تكرهني، لكنني كنت أقنع نفسي أن الأيام ستُصلح ما بيننا، أن الحب سيكبر، أن الله سيجعل في قلبها شيئًا من الود.....
لكن ما كان يكبر في قلبها لم يكن حبًا، كان حقدًا دفينًا، غلًا لا أعرف له سببًا. كنت أراها كل يوم تزداد برودًا، تتعامل معي وكأنني مجرد ظلٍّ في حياتها، مجرد اسم في الأوراق الرسمية، لا أكثر....
كنت أشعر بها تنفر مني، تبتعد كلما اقتربت، تزداد صمتًا كلما حاولت الحديث معها....
كنتُ أنا المذنب دائمًا، حتى وإن لم أُخطئ، كنتُ المخطئ إن تحدثت، والمخطئ إن صمتُّ، والمخطئ إن غبت، والمخطئ إن حضرت....
في ذلك اليوم، كنتُ عائدًا من عملي مرهقًا، دخلتُ البيت ولم أجدها في استقبالي كعادتها....
لم يكن هذا جديدًا، لكنني رغم كل شيء كنت لا أزال أتمسك بوهم أنني قد أجد يومًا منها ما أبحث عنه.....
جلستُ إلى المائدة، كانت قد وضعت الطعام، وكان اللحم أمامي، ظننتُ للحظة أنها بدأت تهتم بي، أن قلبها قد لان أخيرًا.....
بدأتُ بالأكل بنهم، لكنني كنت أشعر بنظراتها تخترقني، لم تكن نظرات حب، بل كانت نظراتِ مترصدٍ يترقب لحظة الانقضاض....
انتهى اللحم، نظرتُ إلى المائدة، لم يبقَ سوى بقايا العظام، شعرتُ بالغضب، ليس لأنها لم تترك لي شيئًا، بل لأنني شعرتُ أنني طيلة حياتي كنت مثل هذه العظام، شيءٌ تمتصه حتى يجف، ثم تلقي به جانبًا....
صرختُ دون وعي، لم يكن الأمر يتعلق بالطعام، بل كان يتعلق بي، برجلٍ أُنهك ولم يجد من يُقدّره، برجلٍ صبر كثيرًا حتى نفد صبره، برجلٍ قدّم الحب ولم يُعطَ حتى الاحترام....
كنتُ أصرخ، وهي كانت تنظر إليّ بهدوء، لم تُجِب، لم تُبرر، لم تقل شيئًا..... ثم رأيتها تلتقط إحدى العظام، كانت حادة، نظرتُ إليها مستغربًا، لم أفهم ما تنوي فعله حتى شعرتُ بوخزةٍ في حلقي، شعرتُ بشيءٍ يخترقني، أردتُ أن أقاوم، لكن الصدمة جمدتني....
كانت عيناها جامدتين، بلا خوف، بلا ندم، بلا شيء.....
حاولتُ أن أُبعد يدها، لكن جسدي لم يُطاوعني، كنتُ أختنق، أحاول التنفس، أحاول النجاة، لكنها دفعت العظمة أكثر، كانت تريد إنهائي، كانت تريد أن تختفي كل ذكرى لي من حياتها.....
سقطتُ، شعرتُ بالبرد، شعرتُ بأنني أتلاشى، بينما كانت هي هناك، تنظر إليّ كما لو كنتُ مجرد حشرةٍ أزعجتها وأخيرًا تخلصت منها....
لم تُحاول إسعافي، لم تُظهر ندمًا، لم تبدُ عليها أي علامةٍ من علامات التوتر، بل على العكس، كانت هادئةً كأنها تقوم بعملٍ روتيني....
رأيتها تسحبني، كنتُ ثقيلًا عليها، لكنها لم تتوقف، كنتُ أتمنى لو أنها تعبت، لو أنها فكرت للحظة أنني كنتُ إنسانًا، أنني كنتُ زوجها، أنني كنتُ أحبها......
لا أعرف كيف استطاعت تقطيعي، كيف حملتني إلى النار دون أن يرف لها جفن، كيف مزجتني بالتوابل وكأنني لم أكن سوى وجبةٍ عابرة....
لم يكن الأمر مجرد قتل، كان انتقامًا، لكنه انتقام من ماذا؟.. لا أعلم....
كنتُ أراقبها وهي تدق باب والدتي، تسلمها القدر بابتسامةٍ باردة، ووالدتي تفتح الغطاء بسعادة، لم تكن تعلم أنها تأكل فلذة كبدها.... كنتُ أصرخ، لكن لا أحد كان يسمعني، كنتُ أتوسل إليها أن تتوقف، لكن لا أحد يرى روحًا تائهةً تصرخ في الفراغ.... عادت إلى المنزل، اغتسلت كما لو أنها لم ترتكب شيئًا، وكأنني لم أكن يومًا في حياتها....
جلست إلى المائدة، أعادت تسخين المرق، بدأت تشربه بهدوء، حتى انتفضت فجأةً، كأنها شعرت بوجودي، كأنني كنتُ هناك أمامها، أنظر إليها من عالمٍ آخر.....
ارتجفت، نظرت حولها، ثم همستُ لها، بصوتٍ خرج من العدم، بصوتٍ تسلل إلى أعماق عقلها حتى كاد يُجننها
أين الملح يا حمقاء؟.. قومي وأحضريه...
التعليقات