عندما نتتبع حياة العديد من المبدعين فنجد حياتهم كانت بائسة ونتعجب كيف قدموا لنا هذا الإبداع الفني! فنجد المقولة الشهيرة التي تقول " الإبداع يخرج من رحم المعاناة." ورغم عدم اتفاقي معها بشكل كبير إلا أنها قريبة للصحة في بعض الحالات ففي هذه الرواية الخيالية التي هي عبارة عن حوارات فلسفية ونفسية بين الفيلسوف نيتشه والطبيب جوسيف بروير كان أغلبها حول الألم والمعاناة التي يمر بها نيشته في سبيل تقديم أفكاره إلى العالم ومحاولة فهمه بطريقة فلسفية وإبداعية أيضا، وتنتهي الرواية حينما يقرر نيشته في النهاية تأليف كتابة الأشهر هكذا تكلم زرادشت الذي يعد أهم أعماله الإبداعية بعد رحلة طويلة من الألم النفسي ففي حالته وحالة العديد من المبدعين مثل كافكا و فان جوخ وديستويفسكي يمكن أن نقول إن الألم كان محركا قويا للإبداع لديهم، فما رأيك؟
رواية عندما بكى نيتشه: أيمكن أن يكون الألم محركا قويا للإبداع؟
أعتقد أن فكرة أن "الإبداع يخرج من رحم المعاناة" هي موضوع مثير للنقاش. صحيح أن هناك العديد من المبدعين مثل نيتشه، كافكا، فان جوخ، وديستويفسكي قدموا أعمالًا عظيمة من خلال معاناتهم الشخصية وألمهم وتجاربهم الصعبة التي أثرت بشكل عميق في أعمالهم وجعلتها قوية ومعبرة.
لكن هل المعاناة شرط أساسي للإبداع؟ أعتقد أنه من المهم أن ندرك أن الإبداع هو عملية معقدة ومتعددة الأبعاد. ليس كل الإبداع ينبع من الألم أو المعاناة. هناك العديد من المبدعين الذين يقدمون أعمالًا رائعة دون أن يمروا بظروف صعبة. الإبداع يمكن أن يأتي من الشغف، الاستكشاف، والفضول أيضًا.
لكن هل المعاناة شرط أساسي للإبداع؟
هذا ما يشغل تفكيري لفترات طويلة، وأرى العديد من المبدعين وخاصة في الماضي يربطون الإبداع بالمعاناة فليو تولستوي مثلا ترك منزله وثروته ليجرب المعاناة كما فعل القديس أغسطينوس والأمثلة كثيرة، فربما كان هذا التفكير في الماضي ولكنه تغير بمرور الزمن، ولكن في نفس الوقت على قدر الإبداع الذي يقدم إلينا حاليا ولا يعاني مبدعوه مقارنة بالماضي، ولكن تظل الفكرة مسيطرة ورائجة، أتعتقد أن رواج هذه الفكرة ربما يكون بسبب شعور المبدعين بالنقص عندما يقارنوا أنفسهم بمن سبقوهم؟
أظن أن هذا الزعم ناتج عن مغالطة منطقية وهي مغالطة التحيز الاختياري (Selection Bias)، والسبب هو أن قصص هؤلاء المبدعين تم تسليط الضوء عليها بشكل كبير، وتم ربط إبداعهم بتجاربهم المؤلمة. في الواقع، هناك العديد من المبدعين الذين حققوا إنجازات عظيمة دون المرور بتجارب معاناة عميقة، ولكن قصصهم لا تلقى نفس الاهتمام لأنهم لا يناسبون السرد الشائع، كما أنه هناك العديد من الأشخاص الذين يعانون من تجارب مؤلمة وقاسية، لكنها أيضا بسبب مخالفتها للمعتقد السائد لا تلقى أي اهتمام ولا يسلط عليها الضوء
أظن أن هذا الزعم ناتج عن مغالطة منطقية وهي مغالطة التحيز الاختياري (Selection Bias)، والسبب هو أن قصص هؤلاء المبدعين تم تسليط الضوء عليها بشكل كبير، وتم ربط إبداعهم بتجاربهم المؤلمة.
بالفعل، فاليوم تجد الجميع يتحدث عن ديستويفسكي أنه الأفضل ولكن في الواقع هنالك من هو أفضل منه وله تأثير أقوى مثل تولستوي وتشيخوف وغوركي، ولكن لأن قصصهم الشخصية ليست مؤلمة بالقدر الكافي فليس لهم نفس الوقع على القارئ، أعتقد أن القارئ يساهم كثيرا في هذه النظرة وبالتالي يتأثر بها المبدعون ظنا منهم أنه يجب أن تتألم حتى يشعر القارئ أن لك قيمة في حياتك خارج إبداعك.
يمكن تحويل المعاناة إلى موضوع و طرح إبداعي يظهر في نصوص الأدباء أو قصائد الشعراء أو أغاني المطربين أو في أمثال الفلاسفة و الحكماء .. أما عن الفيلسوف نيتشه و كوكبة المؤلفين الآخرين الذين حذوا حذوه كلهم خريجو ألام لم يشعر بها سواهم
أما عن الفيلسوف نيتشه و كوكبة المؤلفين الآخرين الذين حذوا حذوه كلهم خريجو ألام لم يشعر بها سواهم
تقصد أنهم مروا بمعاناة خاصة بهم، وأن الألم شكّل رؤيتهم الفكرية والفنية بالكامل أم غير ذلك؟
يمكن تحويل المعاناة إلى موضوع و طرح إبداعي
بالتأكيد، فهذا من أفضل الأنواع الأدبية التي تتناول المعاناة بمختلف أنواعها لأنها تعبر عن أوجاع فئات كبيرة من الناس.
أما عن الفيلسوف نيتشه و كوكبة المؤلفين الآخرين الذين حذوا حذوه كلهم خريجو ألام لم يشعر بها سواهم
العديد منهم بالفعل لولا مرورهم بكل هذه المعاناة فربما لم نكن نرى كل هذا الإبداع ففي حالتهم يمكن أن نقول أن الإبداع كان شرطه الألم في حياتهم ولكن السؤال هنا هل يمكن أن نعمم الأمر أم ليس بالضرورة أن يكون الإبداع محركه الألم؟
@Hamdy_mahmouds ليس المعاناة في حد ذاتها هي التي صنعت إبداعهم بل أرواحهم و عقولهم هي التي حولت المعاناة إلى فنون و إلى كتابات و عروض .. لأن المعاناة تعتبر شيء غير مستحسن خصوصا إذا كان هناك من تسبب فيها عن عمد و عن قصد بنية الإيذاء و الشر .. هؤلاء لا خلاق لهم و لا حسنات و هم مطرودون من رحمة الله .. لأنهم لم يرحموا و لم يقدموا شيئا نافعا يسترحمون به عند الله .. جميع عطاياهم هي للشر و الإيذاء ..
ليس كل مبدع خرج من رحم المعاناة، ورغم ذلك المعاناة لها قدرة في خلق الإبداع وصنع طرق نجاح مذهلة، وهناك أمثلة عديدة على ذلك، هناك حكمة أفريقية تقول ( ليس هناك أقوى من صبي وقف بعدما حولت النار جسده لرماد) وهذا ما يفسر أثر المعاناة على هؤلاء، فقد قاوموا بعد أن ضربتهم الحياة ضربة موت، ولذلك لن يستسلموا بسهولة، وتجد قدرتهم وارادتهم أفضل من معظمنا.
التعليقات